العراق في مأتم |
كان تعليق قطعة القماش السوداء على جدران احد بيوت الحي والمكتوب عليها اسم المتوفى وسبب وفاته وافراد اسرته , يشكل صدمة لأهالي ذلك الحي , ومثارا للعديد من التساؤلات , كيف توفى المرحوم ؟ كم يبلغ من العمر ؟ ماذا كان عمله ؟ متزوج ام اعزب ؟ اما اليوم فمجمل هذه الاسئلة والشعور الصادم اصبحا غائبين بعدما اتشحت معظم جدران الاحياء وواجهات المحال التجارية بالسواد , والسبب معلوم (اثر حادث ارهابي او غادر وجبان) فمن يمت اليوم بغير هذين الحادثين , يكون وبلا شك محظوظا , مقابل من لايعثر من ملامحه الجسدية الا على شئ بسيط يميزه عمن سواه , ممن تناثرت اشلائهم في اسطح الدور والمباني , بفعل الحادث الارهابي الجبان . العراق ومنذ عشر سنوات كشجرة خريفية تتعرى اوراقها وتتساقط تباعا , فغاب الجمال السومري عن وجوه ابنائه وطغى الشحوب على اديم تلك الوجوه المتوجسة من القادم وباتت اقدامهم تسير على الحان جنائزية حزينة . من بين الاغاني التي سمعتها مؤخرا , والاقرب الى الاهزوجة منها الى الغناء , وتعطي مدلولا على ثقل الحزن العراقي هي (علة الموت اخذنة ,,, اخذنة ولاتردنة) فغدت فكرة الموت تلاحقنا وتحاصرنا في كل مكان , فمنذ زمن بعيد والعراقيون يتغنون بالموت والالم , فنواح الموال العراقي لايزال يفطر القلوب ويشرخ الصخور اضافة الى بكائيات المقام التي تدمع القلوب قبل العيون . المتجول في بغداد السلام لايجد لمفردة السلم من وجود , فبغداد اليوم رقعة مرقطة بثكناتها ومفارزها العسكرية وكتلها الخرسانية , فيما تحوم خفافيش الظلام وافاعي النهار, حول اهالي تلك الديار , لتفترس الحياة والامل والمستقبل . العراقيون احياء وما هم باحياء , احياء بالانفاس فقط , فعيشهم يفتقر الى كل وسائل الراحة والاسعاد , فالقائمون على شؤونهم العامة سراق ولصوص ان لم يكونوا مجرمين قتلة , قساوة الطبيعة ووحشية البشر تحالفا ضدهم , فان لم يكتووا بلهيب اشعة الشمس اللاهبة , يحترقون بنيران الارهاب المتأججة او وعود المسؤولين الكاذبة . ان للحياة سمات وايات , من تفاعل وتغيير وتواصل وعلم وعمل وامل ونهوض وحب وامان وسلام وسعادة وسؤدد , وللموت علامات ايضا , من ركود وجمود وجهل وتخلف وانحدار , فلا توجد امة من الامم تقف بين الموت والحياة , فأما تختار هذا او ذاك , اما ان تتبنى فلسفة للحياة تحقق من خلالها سعادة ورفاهية افرادها , او تتبع مناهج الموت والزوال فتحكم على وجودها بالفناء والاندثار . واتمنى ان يكون زمن الموت الذي يعيشه العراق , زمنا طارئا سرعان ما ينقشع , لأن العراقيين هم اول من اسسوا لثقافة الحياة والبناء على مر العصور والاحقاب . |