وصفة الذهاب لحرب أهلية

 

الأمر ليس صعبا أبدا؛ كي تصل إلى حرب أهلية، يتطلب أولا شطر المجتمع إلى شطرين وتغذية ما يميز بعضهما عن بعض، سنة ـ شيعة، إسلاميون ـ علمانيون ـ مسلمون ـ مسيحيون..ألخ.

بعد ذلك، عليك أن تجيّش الناس وتحرِّضهم، أن تداعبْ رموزهم المقدسة وتبعثها من سباتها. ثم بالترافق مع هذه المهمة، عليك شيطنة العدو، الفريق الآخر، وتنميط صورته وتعميمها. وإذا كنت متعجلا في اندلاع الحرب، لك أن تذهب إلى حكايات تأسيسية منسية وتعيد تشغيلها، عليك أن تملأها بمعنى معاصر مناسب لسياقك.

غير أن الأهم من هذا هو أن تنتخب لك أقليّة مقدسة تقود قطيعك، تمسك بالطبول وتضخ الدماء لشرايين الرقبة كي يصل الصراخ لكل مكان. عليك أن تنتخبها من نسل محاربين أسطوريين تقدّسهم الجماعة ولا تتساءل عن لون دمائهم، ذلك أنها زرقاء بالضرورة، ولهذا تبقى الأقلّية بعيدة عن الأخطار، ممسكة بالمنبر، سواء كانت محرابا في جامع أو (استيج) في ميدان. أما آخرُ مراحل الوصول لعتبة الحرب، فتكمن في ارتكابك أعمالا قذرة تكون وقودا لتنّور غامض يلتهب في القلوب لا في العقول. تستطيع مثلا تفجير مرقد مقدس كمرقد العسكريين لتستثير حماسة الجماعة أو قتل زعيمٍ كبير تثلم به نرجسية فريقك وتجعل أبناءها يخورون كالزير سالم يوم خار وثار وشرب من الدماء و(تريع) بها.

لن يكون ضروريا معرفة فاعل هذه الأعمال القذرة، فأغلبها يقيّدُ ضد مجهول. وهو رغم ادعاء الجميع براءتهم منه، يبقى (فاعل خيّر) لا شر. ذلك أنّ أبناء الجماعة ينتظرون أعماله لتطمئن ضمائرهم الشاعرة بذنب عميق. وصفة الحرب هذه جُرّبت بنجاحٍ في العراق وسوريا، ولكم أن تتذكروا عدد المراقد التي فُجّرتْ والقبور التي نُبشت وآخرها العائد لحجر بن عدي. ولئن تشابه الأمر في (سوراقيا) لجهة امتداد متخيّل واحد في روحهما العميقة، فإن حرب مصر يمكن أن تكون ذات ملمح مختلفٍ نوعا ما حيث الإسلاميون يقفون بمواجهة مجتمع "جاهلي" ودولة علمانية كافرة.

لا يغرنّكم هذا الاختلاف العارض، فجوهر الحرب واحد في جميع السياقات، بدل أن يكون الفريقان سنة وشيعة، سيلبس المتحاربون لبوسا يلائم مصر ويستقيم مع تاريخها القريب والبعيد.

حادثة دار الحرس الجمهوري تبدو دليلا ممتازا على أن الجوهر واحد والوصفة التي ذكرتها تنطبق على أرض الكنانة؛ معتصمون أخوانيون يُهاجَمونَ أثناء صلاة الفجر من قبل الجيش فيسقط منهم أكثر من خمسين قتيلا ومئات الجرحى. ثم بعد المجرزة، تخرج روايتان مختلفتان؛ الجيش المصري يزعم أنّه هوجم من ملثمين، في وقت يزعم المعتصمون أن الجيش غدرهم من وراء ظهورهم.

الحادثة ذاتها تقريبا كانت جرت في (الحويجة)، ولكن مع اختلاف المسميات حيث المعتصمون (سنّة) والجيش يتبع لسلطة (شيعية). لا بل أن الطريف هو التطابق حتى في محاورات الجيش مع المعتصمين، فغداة الهجوم عليهم، وقف ضابط مصري وقال للمعتصمين، بلغة متوسلة، أن عليهم البقاء في أماكنهم لأن الفوضى ستسمح لمندسين أن يطلقوا النار عليهم فيتهم الجيش بذلك. المحاورة نفسها كنت سمعتها في (الحويجة) حين ترجى قائد عسكري عراقي المعتصمين أن يدعوا الجيش يفتش الخيام بحثا عن الأسلحة والملثمين.

في الحادثتين، ثمة (فاعل خير) أنجز المهمة. أطلق النار على الجيش لينفذ المرحلة الأخيرة من الوصفة؛ الدولة أجرمت بحقّنا فلنخرج عليها بالسيوف والبنادق ونأخذ حقنا منها بعيدا عن بدعة الديمقراطية الكاذبة!

هل هذا ما جرى في سوريا إذن؟ ذكّروني رجاءً، فالحروب متشابهة وأنا عاجز حقا عن تمييز مشاهدها في اليوتيوب وفي الفضائيات!

هل هذا ما سيحدث في لبنان مثلا؟

تستطيعون الإجابة اعتمادا على الوصفة التي قدّمتها، ويا عجبي.