تميز المجتمع العراقي بعشائريته المفرطة بين اغلب شعوب المنطقة العربية إذ تعتبر العشيرة الخلية الأولى والأساس للبناء الرصين لهذا المجتمع.حيث تنظم العلاقات الاجتماعية بأعراف وقوانين ذات أصول وإحكام وضوابط وعقوبات مجزيه لذا نجد اغلب القوانين المدنية تستمد بعض نصوصها من قانون العشائر العراقي. وكان لزعيم أو شيخ القبيلة منزلته وهيبته وكلمته المسموعة بين رجال عشيرته فهو الحاكم بأمره فكلامه وأوامره هي الحسم دون إن تتعرض للاعتراض أو المرونة فتلبيتها فرض واجب يتنافس رجاله على أدائها صاغرين مطيعين . وتاريخ العراق الحديث مزدحم ومكتظ بالإحداث وللعشائر العراقية دورها المحوري الناصع في بناء دعائم التحرر والتقدم الحضاري لما تتمتع به من إيمان وقيم بوطنيتها وكرامة شعبها فلا يمكن ان ينسى موقفها الشجاع والوطني في الحرب الكونيه الأولى وهي تتصدى لجحافل الغزو الانكليزي الذي حاولت تدنيس ارض العراق فرغم بساطة تسليحها وافتقارها لأبسط مقومات الصمود والتصدي العسكري إلا أنها كانت مفعمه بروح الإيمان والوطنيه والعقيده حيث كانت الحافز والقوه المؤثر للثبات والاراده ولم يستطع الانكليز من دخول بغداد إلا بعد نضال وتضحيات مستميته كانت على جثث وأشلاء المناضلين الأشداء من أبناء عشائر الجنوب والوسط والذي أعقبه موقفهم المضيء في ثورة العشرين الخالده التي يذكرها لهم التاريخ بكل فخر واعتزاز ويذكر زعمائها وشيوخها وقوة إرادتهم وشكيمتهم ووطنيتهم فكان زعيم العشيره على رأس عشيرته مضحيا وقائدا وموجها يستنهض همم ونخوة عشيرته في القتال والشهاده من اجل عدالة ومطالب قضيتهم في التحرر والاستقلال . والتاريخ العراقي يزخر ويزدهي بثورات العشائر وببطولات أبنائها سواء كانت في الجنوب حيث يرن صداها الشمال والوسط أو المناطق الغربية من العراق وكانت هناك علامات مضيئة لشخصيات ورؤساء عشائر لها لمساتها المؤثرة والناصعة في ذلك الواقع العراقي يذكرها المؤرخون والناس باعتزاز وفخر لمواقفهم البطولية ولاحترامهم لأنفسهم وكرامتهم وعزة نفوسهم ولإيمانهم بقضية وطنهم فلم يرضخوا للمغريات ولا الهدايا والعطايا والجاه ولم تغريهم السلطه والمال رغم ماتعرضوا له من تنكيل وضغوط من قبل الحكام أو دول الاحتلال لهذا فرض وجودهم ومكانتهم ولم تهتز سمعتهم وأسمائهم فالتاريخ يظل مسلطا الأضواء عليهم لذكر محاسنهم ومواقفهم النبيله مع شعبهم وعشائرهم .بالضد من بعض مواقف الشيوخ الذين ارتضوا لأنفسهم الذل والهوان وباعوا أنفسهم بابخس الإثمان لقاء مبالغ تافه وجاه متذبذب كسيح فكانوا تابعا ذيليا لتلك الحكومات يأتمرون بأوامرها وينفذون مأربها الدنيئة حتى على أبناء عشائرهم فلم يتشرف التاريخ بذكر أسمائهم بالخير إلا بأحط العبارات وأتعس الكلمات النابية وإبراز مساؤهم ومثالبهم وسؤ سلوكهم وسيرتهم المتلونة الذليلة. وعند دخول السياسه والأحزاب إلى مفاصل وفروع العشيرة بدا دور الشيوخ بالضمور والتفتت ولم يبق من بريقهم إلا إطارا صوريا يرجع إليه في نوادر الحالات وفتاتها . تجلى ذلك بشكل فاقع في زمن النظام البائد حيث كرس همه في تهميش دور شيخ العشيرة والتقليل من مهابته ومنزلته بين افراد عشيرته من خلال تغلغله بين مفاصل العشائر بفعل المنظمات الحزبية والنقابات المهنية حيث احتلت المنظمة أو النقابة دور المنافس لمر كز زعيم العشيرة فكانت تحذر الناس وإفراد العشائر بالتنصل من زعمائها وتحرضهم على عدم الرضوخ لأوامرهم وإطاعتهم وكانت توبخ من يقتفي اثر زعيم العشيرة وتحاربه وتعتبره رجعيا متخاذلا كل ذلك من اجل فرض هيبة السلطة وبسط نفوذها على أبناء العشائر لكي تكون ألكلمه العليا للحزب والثورة ولقيادتها الجائرة كان ذلك عندما كان النظام في عز قوته وتهوره وانفعالاته قبل إن تستفحل عليه الهزائم وينخر جسده العفن والسوس ويبدأ بالتراجع والنكوص نتيجة لتصرفاته الهمجية ولأخطائه المميتة ولحروبه العبثية التي زج بها العراق وأهله بلا مبرر أو مسوغ أو وجه حق .وكانت ألانتقاضه الشعبانيه التي عمت العراق من شماله إلى جنوبه في استفتاء مسلح قل نظيره اثبتت إن العراق وشعبه رافض وبكل قوه لوجود النظام وتسلطه ولولا مد يد العون من قبل دول الحلفاء الثلاثيني لإنقاذ ربيبهم ونظامه من الانهيار والسقوط وتدارك بعض المحبين والمساومين من النظام العربي وحكوماته التي خشيت إن يكون مصيرها ومصير عروشها المهترء على نفس الدرب الذي سلكه المخلصون من شعب العراق ستسلكه شعوبهم وتطيح بهم وبكراسيهم المهزوزة . ولو قدر لهذه ألانتفاضه النجاح وهي ثورة صميميه شعبيه انبثقت من رحم و أعماق ووطنية هذا الشعب وجوهره لما احتجنا إلى استجداء العالم وقواه من اجل إسقاط النظام وتحريرنا من براثنه ولما استعدينا الأجنبي لاحتلال بلدنا ولما وصلنا إلى ما نحن عليه من خور وتهالك وضياع لانعرف متى ترسو مسيرتنا وعلى أي شاطئ. ولما عاد النظام أنفاسه واستيقظت فرائصه وأحس بخطئه وتهميشه دور العشيرة ورئيسها استدار وبدرجة سريعة إلى العشائر وبدا يركز خطابه السياسي على رؤساء العشائر وبدا رأس النظام يناغمهم ويمد لهم يد المصالحه والتقرب وصار زبانيته على نفس المنوال اقتفاء برئيسهم ونهجه المتلون الجديد فبدأت تنهال الهبات والعطايا وسخاء الأموال التي يجزل بها على الشيوخ وبدا الرقص والردح والهروله وبيعت النفوس والعزة بابخس الاثمان حيث سال اللعاب واهتزت القيم إمام المال الذي يلوح به الحاكم لبعض المشايخ صار البيع والشراء علنيا على الشيخه والزعامه ففتحت الأبواب على مصراعيها لاستقبال شيوخ العشائر العموم والا فخاذ وتحولت المشيخه من زعامه معنويه مكتسبه إلى وظيفة رسميه يجزل بها الحاكم على من يريد فبدأت المضابط والعراض تترى على مراكز النواحي والاقضيه والمحافظات بطلب تعينهم شيوخ عشائر والاعتراف بمشيختهم دون الالتفات والنظر على من يشيخون وما عدد اتباعهم ومرؤوسيهم وصار نائب الضابط والعريف المتقاعد شيخا ومن كان نكره ومهزوزا لايعرف له أصل أو فصل بفعل القرارات الجديدة شيخا فضاع الحابل بالنابل وتساوت الشيوخ في بوتقة واحده إمام الحاكم والمسئول وازدهت فترة التسعينات من القرن المنصرم بشيوخها. وتحضرني هوسه على احد زعماء العشائر العموم والاصلاء الذي رحل في الشام ابان التسعينات يقول رباطها ((موش شيوخ التسعينات نريد الشيخه المثلك حربي))وحربي إل المزعل شيخ بني رجاب العموم والمعروف بمواقفه الوطنيه.وهناك ندره يتندر بها بعض نواحي الجنوب عندما عين الطاغيه بعض الضباط مدراء نواحي وحكام في الاقضيه فكان من بينهم مدير ناحيه برتبة مقدم ظريف وصاحب نكته وفي عز الترويج لطلبات المشايخ الجديدة جاءه طالب مشيخه بعريضه ليكون شيخ فخذ وأصر عليه بقبولها فقال له أمهلني إلى إن يحين متقدم أخر بنفس الفصيلة وسيكون عندي شيخ فخذ أخر لأجمعكما معا و ستكونان شيخ ((طي......))هكذا نزلت مكانة الشيخ الى الحضيض عندما بدأت تباع وتعرض في السوق كأي سلعة تجاريه .وادبيات المعارضه وصحفها في حينه كانت تنتقد الواقع المزري الذي وصل إليه المجتمع العراقي من ترهل وإسفاف وتفكك وبالاخص هذه الظاهرة المسيئة لشيوخ العشائر وتفتيت قيمها وكرامتها(( فلا ادري لماذا تنكرت لمواقفها التي كانت عليها بالأمس عندما تحولت إلى سلطة اليوم واتبعت نفس العقلية والأسلوب الذي كان عليه غريمها يسلكه مع شيوخ ورؤساء العشائر فهل بريق السلطه غسل الادمغه واستحال الخطأ في نظرها سابقا إلى مقبول وصحيح؟؟ )) . وفي أيام النظام الاخيره وهو على وشك إن يلفظ انفاسه ضخ ملاين الدولارات على رؤساء العشائر كي يحفزهم ويستنهضهم لمناصرته والوقوف إلى جانبه وقد استلمها الكثيرون من رؤساء العشائر وهم يردحون و يهزجون للقائد المنصور والقنابل تنهال على رؤوسهم وعلى كل مرافق الحياة العراقية . وسرعان ماتحولت هذه الوجوه الراقصه والهازجه لصدام إلى اعدائه وقاتليه وهي تصفق وترقص على حبائل النظام الجديد واموال صدام وملاينه لازالت لدنه وطريه في بطونهم فنهالت بالقبل والأحضان إلى رجال العهد الجديد ساخطة مولولة ومستهجنه نظام صدام وقساوته فسارعت إلى الانضمام إلى هذه الاحزاب الجديدة التي فتحت أبوابها وأسواقها إلى اللاهثين وراء المال والسلطة في كل المدن والقصبات العراقية تستقبل الوافدين والمنتمين الجدد وكان على رأسهم شيوخ العشائر ولان هذه الأحزاب تفتقر إلى القواعد والأرضيات التي تستند إليها راحت تستقطب الغث والسمين من هذه النفوس التي كانت تعرض بضاعتها المهترئه للنظام السابق واغلبها من البعثين والصدامين المهم في منظورها هو الكم وليس النوع .وكان التنافس على أشده بين هذه الأحزاب لمن يكسب أكثر من هؤلاء البائعين الضمير والاسم طالما كانت النفوس ضعيفة وطالما كان المال الذي يفل العقد ويسيل له اللعاب متوفرا فتحول حماة صدام الأمس إلى حاضني وحامي هذه الأحزاب الجديدة اليوم . و هم الدعاة والمضحين لهذه الاحزاب والتنظيمات والان تطفو على السطح وتتصدر محافظات الجنوب والوسط ونواحيها قضية مثيرة للجدل ابتدعتها القياده السياسيه تسمى بمجالس الإسناد محورها زعماء مايسمى بالعشائر العراقية يراد منها حسب الظاهر الإعلامي مساندة الحكومات المحلية للوقوف كما يدعون إلى جانب الحكومة المركزية والحكومات المحلية في تلك المحافظات لمحاربة الظواهر السلبيه التي تخل بالأمن والاستقرار ومراقبة الفساد الادراي المستشري في دوائر ألدوله .لان الحكومة كما يبدو غير قادره على إن تفرض سيطرتها على هذه المحافظات رغم ما تملكه من هذا الهيلمان العسكري والأمني المسلح لهذا فهي في أمس الحاجة إلى وقوف رؤساء العشائر والافخاذ إلى جانبها .حيث فتحت المراكز في النواحي والاقضيه والمحافظات وجهزتها بالأثاث الحديث وأجزلت عليها الملاين من خزينة ألدوله لأنها كما تدعي تابعه إلى الحكومة المركزيه وليس للأحزاب وهذا ظاهر الحال غير الحقيقه الناصعه والتي لاتنطلي على ابسط مواطن من إن هذه المجالس تابعه إلى حزب متنفذ في الدوله وهي واجهه انتخابيه ودعائيه لهذا الحزب . جوبهت هذه التشكيلات بالمعارضه من قبل الحكومات المحليه وطلب بعض المحافظين عدم التعاون معها ومحاولة إفشالها و شلها وفركشتها بأي طريقه متعذرين إن هذه المجالس ستقوض دور الحكومات المحلية وتضعف من سلطتها وإدارتها لانها ستكون رقيبة ومتدخله في شئن الاداره والحكومه المحليه هذه الظاهرة الجديدة خلقت فتنة لانظير لها بين عشائر الجنوب وزعمائهم لانها استقطبت قسما منهم وهمشت الآخرين وهذا يعني ان هناك تمايز وتصنيف لزعماء هذه العشائرلكون المحسوبين على مجالس الاسناد انعكاس للتنظيم المتنفذ والمسيطر على مقاليد الحكم في الدوله و يتقاضون رواتب وامتيازات مجزيه في حين يبقى الآخرون وهم أيضا رؤساء عشائر وأفخاذ بلا امتيازات أو رواتب كما يحصل عليها الآخرون من أترابهم فكيف يستتب الأمر وهم على هذا الخلاف والتمايز الذي تتبعه ألدوله في سلوكها معهم . فضلا على إن هناك مجالس عشائريه تكتظ بها هذه المحافظات ولها تنظيماتها وتابعيتها إلى أحزاب كبيره لها باعها الطويل في العملية السياسية ومصدر القرار المؤثر .مما أدى إلى خلق حاله من التناحر والصراع بين هذه التنظيمات وبين العشائر أنفسها .وقد حدثت فعلا نزاعات بين العشائر في معظم المناطق التي تشكلت فيها هذه المجالس . الم تكن تلك فتنة مفتعله أسستها ومهدت لها السياسة والمال, وان ألدوله هي من بدأت بخلق هذه الفتنه . ثم هناك تساءل مشروع يطرح على اعلي المستويات كيف يحق للدولة إن تصرف رواتب ومبالغ كثيرة على هذه المجالس ومن خزينة ألدوله ؟؟ وهي ملك للشعب وليس لحزب أو تيار بعينه فهذه التنظيمات وكما يفهمها أبناء المناطق الجنوبية واجه حزبيه وليس رسميه حتى ينفق عليها من خزينة ألدوله وان أي تبرير ومحاولة تفسيرها بغير ما هي عليه من حقائق ماهو إلا تظليل وخداع للرأي العام العراقي الذي تعرف على طبيعتها وتوجهها .
|