لكي لا ننسى ولكي لا يعيد التاريخ نفسه تحت أية ذريعة كانت ولكي نقول للجميع أننا قادرون على ترميم الصورة بما يطمئن الإنسان على مصيره وتحقيق العدالة الانتقالية. لذلك كان مؤتمر المقابر الجماعية قبل ايام، ولذلك ايضا نكتب يوميا عن جرائم النظام السابق بحق كل مكونات الشعب العراقي. وماحصل بحق الكورد الفيليين هي جرائم وكوارث قد لا تصدق حتى لو رويت في رواية ادبية فكيف بها وهي كانت يوميات الانسان الكوردي الفيلي على ارض الواقع طوال عقود من الزمن. أنها جرائم مركبة تضمنت القتل والترحيل والتهجير والتعطيل وانتزاع وثائق المواطنة والسجن والملاحقة والمطاردة بأقصى درجات الحقد والقمع. ان شوارع بغداد وازقتها ومدن وقصبات اخرى كثيرة في وسط وجنوب العراق تعرفت على الانسان الكوردي الفيلي مكافحا ومناضلا وكادحا ونشطا في بناء الوطن بعرق الجبين وقوة الارادة، والنتيجة كانت دعوته للانسلاخ عن وطن بناه وعشقه ودخل في مسامات جلده حدّ الذوبان، لذلك كانت الدموع والجراح والآلام اكثر من ان يتصورها العقل البشري حين كان جلاوزة النظام السابق يطلقون العنان لضرباتهم ولحقدهم على ظهور تعبت وكدّت طويلا وهي تكسب لقمة العيش بنيل وشرف وعطاء لاينقطع. لقد كانت الخطوة الاولى فائقة في الجمال والانصاف وهي الاعتراف بأن ماحصل بحقهم هي جريمة ابادة جماعية (جينوسايد)، ولكن هذه الخطوة لاتكفي على الطريق الطويل لاستعادة كل الحقوق وكل المزايا التي فقدها هؤلاء فالجرائم التي لحقت بهم لها تداعيات وآثار لابد من حلها واعادة الحياه الى المجرى الطبيعي. ويكون ذلك بخطوات استثنائية لاسعاف هذه الشريحة المناضلة نفسيا وتربويا وثقافيا وللتعويض عما فقدوه لكي يتحسسوا انهم فعلا في وطنهم وان انسانيتهم قد عادت اليهم غير منقوصة. اننا جميعا مسؤولين عن الغاء آثار الجريمة من خلال مراجعة كل اساليب التعامل الاداري مع الضحايا وفتح الابواب لاعادة الحقوق المادية والمعنوية التي انتزعها منهم نظام دكتاتوري لم يعترف باي وازع من الضمير والاخلاق. لكل ذلك نقول ان حالة الكورد الفيليين تقتضي ماهو اكثر من المؤتمرات والمهرجانات والفعاليات الجماهيرية، انها بأمس الحاجة الى استحقاقات تطبيقية فعلية ولاجراءات تعيد البسمة الى الجيل الحالي للكورد الفيليين لكي لايظلوا مشحونين بمرارة الذكريات.
|