كم نحن بحاجةٍ في هذه الأيام إلى صديقٍ حميم يكون بمثابة شقيق الروح وعنوان محبة ومودّة كما يقول سيد الكلام أميرُ المتقين علي بن أبي طالب عليهم السلام (رُبَّ أخٍ لكَ لم تلدهُ أمُّك) فالصديقُ مؤنسُ الوحدةِ والمدافعُ في حال الغياب، وكما يصفهُ أميرُ المؤمنين أبو الحسن علي (ع) حين يقول (لايكون الصديقُ صديقا ً حتى يحفظ أخاه في ثلاث : في غيبته، ونكبته ووفاته)، الصديق هو الذي تأمن منه وتبثّ له همومَك وأحلامَك دون تكلُّف أو حذر، تتحدّث معه دون ريبةٍ أو خشيةٍ أوتصنُّع، تجعل منه حافظاً لسرِّكَ وحامياً لكَ ولعائلتِكَ من خلال احترامِ أولادِك وبيتِكَ والذود عنهما من كلِّ شائبةٍ قد تتعلق بهما دون أن يعلموا بذلك، فمِنْ علاماتِ الصديق الذي يحترم صديقَه هي إكرام أولادِ الصديق إذْ يؤكِّد ذلك مولانا أبو تراب( يكرَّم المرءُ بولدِه) أي أنَّ أيَّ شخصٍ إذا ماأردتَ أن تعرفَ نوياه الصادقةَ تجاهكَ تتحسَّسها من خلال احترامِه لعائلتك وأولادِك، نحن جميعاً بحاجةٍ إلى صداقةٍ دائمةٍ مستمرةٍ في السرّاءِ والضرّاء، نحن جميعاً نحتاجُ إلى أن ندرسَ بعضَنا البعض للتأكيد على مواطنِ الإتّفاق وتجنّب مواطن الإختلاف وبذلك ننقّي تجربة الصداقةِ من الشوائب، كما يقول المثلُ الشعبيّ الدارج (عاشر صديقك سنه وبعد السنه جرُّبَه، وازعل عليه بالشقه وبعد الزعل جربه) وهكذا، خاصةً إذا ماعرفنا أنَّ بعضَ الناس قد أشتركَ مع (إبليس) في كل أفعاله معاذَ الله، كما يشير القرآنُ الكريم إلى ذلك (وشاركهم في الأموال والأولاد)، فهو المخرِّب بيننا، والمثير للفتن والتفرقةِ والأحقاد. ليس كلُّ صديقٍ (يُفتح له الباب) كما هو متعارَفٌ عليه، فالصداقةُ درجات،هناك من الأصدقاء من يفديك بكلِّ غالٍ ونفيس، ومنهم من يهرب من أوّلِ تجربةٍ في محنةٍ تتعرّضُ لها، ومنهم من يسايرك لغايةٍ في نفسه، ومنهم من يحترمُ (زادَكَ وملحَكَ !! وكرمَكَ !!)، ومنهم من يضربُ كلَّ هذه الأمور عرضَ الحائط دون أن تهتزَّ لهُ شعرةٌ من جسدِه، ذلك لأنّهُ قد يكونُ أسيراً لأمراضه النفسية أو يكونُ بعيداً عن سموِّ الأخلاق ومكارِمِها بُعدَ الأرضِ عن السماء، ويعلّل ذلك كما يقرِّرُ علماءُ النفس إلى نقصٍ في عائلته أو أنه قد تربّى على سلوكٍ مغايرٍ للحالة الماثلة أمامهُ الآن من حبٍّ واحترامٍ وتقدير من بعض الناس له، حتى أنّهُ لايحتمل كل ذلك الاحترام فينسلخ عن واقعهِ انسلاخاً مشيناً يجعله يتصرف بحقدٍ وعدوانيةٍ مريبة.
إنّ الصداقةَ مشتقةٌ من الصدق، كما يقول أبو الحسنَين (ع): (أصدقاؤك ثلاثةٌ، صديقك وصديقُ صديقِكَ وعدوُّ عدوِّكَ)، والصداقه التي لاتبنى على الصراحةِ محكومٌ عليها بالفشل، وكلُّ شخصٍ عندما يكون صريحاً مع الناس عامّة ومع الأصدقاء خاصّةً نراه مرتاحَ البال بحيث ترتاح نفسُه منه لكونه عفويّاً في تصرفاته مع الآخرين ويتحدث ويتصرف على هذا الأساس، ومثل هذه الصداقة تبعث الطمأنينةَ في الروح لايدركها إلّا مَن يسّرَ اللهُ له انعقاد المودّة بينه وبين الرجال الذين يتصفون بالأخلاق النبيلة والآداب الرفيعة، والصدقُ لا يأتي من فراغ وإنما يتأتّى من البنيان الراسخ الذي بنته العائله التي خرجت هذا الانسان المتزن الشريف الذي يحسب للصداقة ألفَ حساب، رغم أننا جميعاً مررْنا بتجارب فاشلة في مجال الصداقةِ إذْ ليس بالأمر السهل أن تجد مثل هكذا اصدقاء، خاصة إذا ماتواجدَ في وسطنا إنسانٌ حقود يفرِّقُ الأحبابَ ويشوِّهُ صورةَ الآخَرين الشرفاء الذين يحاولون جمعَ الناس على الحبِّ والخير والإلفةِ الدائمة، وكم تعرضتُ كشخصٍ لمثل هؤلاء الإمّعات الذين تربّوا على الرذيلةِ، وكم كنتُ أعتقد أنَّ فلاناً صديقي وإذا به يغدرُ بي دون أيِّ سببٍ ودون أيِّ فعلٍ قمتُ به ضدَّه،.
يقول الحكماء (إذا تراءى الصديقان فتصافحا وتضاحكا تحاتت خطاياهم)، لأنّ اللهَ سبحانه وتعالى يقول في مُحكم كتابه العظيم (لو أنفقتَ مافي الأرضِ جميعاً ماألّفتَ بين قلوبهم ولكنَّ اللهَ أّلفَ بينهم). إذن أن الله جلَّ وعلا هو الذي يؤلف بين قلوب الأصدقاء إذا ما تحقّقَ صدقُ نوايا الطرفين المتصادقين وانعقاد أواصر الوفاء بينهما، أنا أعتقد أنّ الصداقةَ فرصةٌ طيبةٌ لحياةٍ هانئةٍ إذا ما تمَّ التعامل معها بصدقٍ ونزاهةٍ وشرفٍ ونبلٍ، وفي ذلك يقول الشافعي (سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق الوعد منصفا)كما يقول القروي (لاشيء في الدنيا أحبُّ لناظري من منظر الخِلّان والأصحاب) وكذلك الزهاوي يقول (عاشر أناساً بالذكاء تميّزوا وأخترْ صديقَك من ذوي الأخلاق)، إذن الإختيار للصداقة صعبٌ جدّاً فكم من مسكينٍ تورّطَ في صداقته حين يغدر به آخرُ لايعير لمعنى الصداقةِ أيَّ أهميةٍ، أنا أعتقد أنَّ كلَّ من يغدر بصديقهِ فهو نابع إمّا من حقدٍ مكتسَب من الواقع المرّ للخائن أو من عنصر الجينات الذي يلعب دوراً كبيراً في ذلك كما يقول مولانا أميرُ المؤمنين (العرق دسّاس)، لذلك عندما يقول الإمام في قصيدته العظيمة:
صرمتْ حبالَك بعد وصلِكَ زينبُ
والدهرُ فيه تصرُّمٌ وتقلُّبُ
فدَعِ الصبا فقد عداكَ زمانُهُ
وازهدْ فعمرُكَ منه ولّى الأطيبُ
ذهبَ الشبابُ فمالَهُ من عودةٍ
وأتى المشيبُ فأين منه المهرَبُ
وألق عدوَّكَ بالتحيةِ لاتكنْ
منه زمانَكَ خائفاً تترقَّبُ
وإذا الصديق رأيتهُ متعلقاً
فهو العدوُّ وحقّه يتجنّبُ
لاخيرَ في ودِّ أمرئ متملقٍ
حلوِ اللسانِ وقلبُه يتلهّبُ
يعطيكَ من طرفِ اللسانِ حلاوةً
ويروغُ عنكَ كما يروغُ الثعلبُ
واختَرْ قرينَكَ واصطفيه مفاخراً
إنَّ القرينَ إلى المقارن ينسبُ
إنّ الذي جعلني أكتب هذا المقال هو سماعي لخيانة بعض الناس لأصدقائهم رغم أنهم (متمالحون) لذلك كتبتُ.. !!!!!! وأنا أعرف أن للملح ( حوبه ) كما يقول أهالينا ، ولكن ليس كل من يعرف معنى هذا المثل يدركه ويطبقه على ارض الواقع ، أذا ً الصداقه أمانه كبيره ولكن من هو ألمؤهل لحمل تلك الامانه ؟ الجواب عند الجميع !!!
|