لابدّ ان خطأ ما، فنياً على الأرجح، أو سوءاً في التقدير، هو الذي وضع العراق في مكانة غير المكانة التي يستحقها في أحدث قائمة للدول الأكثر فشلاً في العالم ليكون ترتيبه الحادي عشر في هذه القائمة. القائمة أعدتها مجلة "فورين بوليسي" (السياسة الخارجية) و"فاند فور بيس"( صندوق السلام) الأميركيان في تقريرهما المشترك السنوي الصادر منذ ايام. ويُفهم من ترتيبها ان هناك عشر دول في العالم أكثر فشلاً من عراقنا. القائمة جعلت الصومال والكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان وتشاد واليمن وافغانستان وهايتي وجمهورية افريقيا الوسطى وزيمبابوي تتقدم على العراق في فشلها، لكن الذين أعدوا التقرير ووضعوا التصنيف لم يلاحظوا ان هذه الدول جميعاً لا ينبغي ان تُقارن بالعراق، فثمة عامل موضوعي يمنح عراقنا ميزة كبرى لا تتوفر لهذه الدول لكي تكون على طريق النجاح، فالعراق بلد مُنتج ومُصدر للنفط، بل انه في طليعة الدول النفطية باحتياطيات تشير بعض التقديرات الى انها الأكبر عالمياً، متقدمة على احتياطيات السعودية، وبانتاجه اليومي الذي يزيد الآن عن مليوني برميل ومرشح لأن يصل الى ستة ملايين برميل يومياً في غضون السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة، كما يحلو لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني أن يعلن ويعيد الإعلان في مناسبة ومن دون مناسبة. من المفترض أن يُوضع العراق في الترتيب الأول بين الدول الفاشلة، فالدول العشر المتقدمة عليه تشترك جميعاً في انها غير نفطية باستثناء جنوب السودان، وهو دولة حديثة رأت النور منذ سنتين فقط ولم يتركها نظام الجنرال عمر البشير في الشمال لأن تلتقط أنفاسها. النفط جعل من السعودية والامارات والكويت وقطر دولاً ناجحة. وفي يوم ما كان العراق دولة ناجحة، بل امبراطورية عظمى، من دون النفط مستنداً الى مياه دجلة والفرات وأرض السواد. الدول العشر التي أعطيت أسبقية على العراق في الفشل تحلم بان يدخلها مجتمعة ما يدخل العراق من عائدات نفطية (نحو مئة مليار دولار سنوياً) لكي تكون دولاً ناجحة. ان دولة بهذا الدخل النفطي الهائل ولا تستطيع أن توفّر لمدنها حاويات لجمع القمامة ما يجعل عاصمتها المدينة الأوسخ والأسوأ في ظروف المعيشة في العالم، دعك من الكهرباء والمجاري والمساكن والماء والصحة والتعليم وسواها، تستحق بالتأكيد أن تتصدر قائمة الدول الأكثر فشلاً، ويليق بحكومتها أن تُكلل بالعار لا بأكاليل الغار. لا تتحججوا بالارهاب والقاعدة والفلول، فهذه كلها ليست سرّ فشل دولتنا، بل هي نتاج هذا الفشل .. الفشل يكمن في سوء الادارة. والفساد المالي والاداري العلامة الأوضح على سوء الادارة هذا، الى جانب نظام المحاصصة، طائفية وقومية وحزبية وعشائرية وسواها.
|