صندوق الإنتخابات وقرآن معاوية

 

هناك إشكاليات متعددة تجابهها قضية الديمقراطية في بلداننا, لكن المشكلة الأهم تتجلى في كون الديمقراطية باتت تمارس بواسطة قوى لا تؤمن بها ولا تتفق معها على المسلمات.

وليس الإخوان المسلمون وحدهم فرسانا في هذا المضمار, بل تشاركهم فيه أحزاب دينية وعلمانية تمارس الديمقراطية من ذات الموقع ومن ذات النوايا جاعلة قضية الديمقراطية تبدو مثل حصان طروادة وقضية صندوق الإنتخابات يبدو مثل قرآن معاوية. 

وفي حين يحاول الأخوان في مصر أن يقدموا أنفسهم وكأنهم أكثر من غيرهم تمسكا بآليات الديمقراطية فإن وقوفهم أمام قضايا مثل الشرعية وقدسية صندوق الإنتخابات ومحاولتهم تصنيمه وإجتزاءه من النظام الشامل للمسألة الديمقراطية وتضخيم دوره على حساب تقزيم أو حتى إلغاء الأدوار الأخرى قد لا يمكن إعتباره سوى من باب كلام الحق الذي يراد به باطل. 

وإذا كان القرآن نفسه قد تحول إلى كلام من هذا النوع يوم رفعه معاوية في معركة صفين, في واحدة من أكبر الخدع القتالية في التاريخ, فما الذي يمنع صندوق الإنتخابات أن يتحول هو أيضا إلى كلام من هذا النوع, أو أن يكون إستعماله طريقة نكوص عصرية إلى نظرية الحكم التي تقوم على (لن أنزع قميصا ألبسني الله إياه), وهو قول كان أطلقه الخليفة عثمان في مواجهة الثوار المتمردين عليه في واحدة من المشاهد التي إفتتحت عصر الفتنة الكبرى في الإسلام.

من المؤكد أن الإستهانة بصندوق الإنتخاب تتساوى وتضخيم دوره.

ومن المؤكد أيضا أن المشرعين الديمقراطيين حينما جعلوا للصندوق مكانته الرفيعة فإنهم لم يغفلوا حقيقة أن بإمكان هذه الصندوق أن يلعب دورا تخريبيا في ظل غياب الضوابط الأخرى القادرة على منع طغيان عامل على أخيه. ولذلك عملوا على تضمين الديمقراطية آليات من شأنها أن تحول دون أن يخرج هذا الصندوق عن طاعة الديمقراطية ذاتها أو أن يوضع خدمة الذات الطروادية.

وكان وفي مقدمة تلك الآليات حق اللجوء إلى الإستفتاء على الرئيس في حالة إذا ما تأكد عجزه أو فشله أو تلكئه عن إنجاز الوعود التي تضمنها برنامجه الإنتخابي. وأيضا حق طلب سحب الثقة منه أيضا إذا أفلح القائمون على الأمر بتجميع ما يكفي من الأصوات التي تفي بقانونية الطلب.

لقد حدث الأمر معنا نحن العراقيون إذ حينما طالبت هيئات عراقية بسحب الثقة عن المالكي فإن الرئيس وصحبه لم يترددوا ولم يتأخروا عن إعتبار أن الأمر ليس سوى عبارة عن مؤامرة دولية وإقليمية شارك في إنتاجها وإخراجها حمد وموزة. 

وفيما يخص العلاقة بالديمقراطية على الأقل فإن الأخوان في مصر والدعوة في العراق كلاهما رضعا من ثدي واحد.

وقد ينجح الإستفتاء أو طلب سحب الثقة أو لا ينجحا, لكن سيكون واجبا إحترامهما كآليات ديمقراطية مشروعة في الحالتين. ففي أمريكا مثلا وفي منتصف السبعينات من القرن الماضي تم سحب الثقة من الرئيس نيكسون نتيجة دوره في عملية التنصت على الحزب الديمقراطي في القضية التي عرفت بقضية ووترجيت رغم أنه كان أتى من خلال صندوق الإنتخابات, أما ديغول فرنسا فلم يتردد عن التخلي عن الحكم حال ظهور تنائج الإستفتاء على المشروع الذي قدمه للتعامل مع مطالب الحركة الثائرة على برنامجه التعليمي.

من المؤكد أن هناك ثمة فوارق هائلة بيننا وبين الغرب تجعلنا مختلفين كثيرا على مستويات عديدة, لكن هذه الفوارق لن تجعلنا مختلفين على تعريف الأساسيات ومنها دور صندوق الإنتحابات وموقعه كآلية داخل منظومة آليات تعمل الواحدة منها على مساعدة وضبط الآخرى.

وبتغييب هذه الآليات, أو بتضخيم آلية على حساب آخرى ليس من الصعوبة ابدا أن تتحول الديمقراطية إلى حصان طروادة, أو أن يتحول صندوق الإنتخابات إلى قرآن معاوية, والحُكْم إلى قميص يلبسه الحاكم بأمر من الله.