بين الحاكم و المحكوم -4-

بالرغم من ان دستور العراق لعام 2005 كان دستوراً جامداً وانه يراعي وكتب بطريقة تختلف عن جميع دساتير الدولة العراقية منذ 1921 حتى مشروع دستور 1991 وكذلك قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية لعام 2004 . الا ان هذا الدستور ايضاً (بالكيفية التي كتب بها ) ربما شكل اعتراضا من بعض المواطنين، وهي حالة طبيعية لان وجهات النظر لا تتطابق ، وان المبادىء التي تضمنها الدستور شكل انتقالة جديدة في نظام الحكم في العراق كذلك البناء الاداري – الاقتصادي – السياسي للعراق. سوف نمر بهذه النقاط تفصيلاً عارضين الافاق الجديدة التي حملها الدستور كذلك التحديات التي يواجهها.
ثانيا ـ اللغة الرسمية : 
تناولت مسودة الدستور اللغة الرسمية للعراق في باب المبادئ الاساسية ، حيث نصت المادة ( 4 ) على ما يلي : 
1 ـ ( اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق ... ) . 2 ـ ( يحدد نطاق المصطلح ( لغة رسمية ) وكيفية تطبيق احكام هذه المادة بقانون يشمل : 
أ ـ اصدار الجريدة الرسمية باللغتين . 
ب ـ التكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية لمجلس النواب ومجلس الوزراء والمحاكم والمؤتمرات الرسمية بأي من اللغتين .  ) . 
ومن دراسة هذه المادة نستخلص ما يلي : 
ان اللغة الكردية الى جنب اللغة العربية على اعتبارها لغة رسمية في مجلس النواب ودوائر الدولة والمحاكم ، يعني انها يجب ان تطبق في كافة دوائر ومؤسسات ومفاصل الدولة العراقية ، وهذا العموم فيه مبالغة  كبيرة جدا على حساب الواقع الفعلي ، اذ اعتادت دول العالم جميعا على اتخاذ لغة رسمية واحدة للمخاطبة مع الاحتفاظ  للمناطق التي فيها اغلبية من القوميات الاخرى بالتحدث الى جانب اللغة الرسمية ، ثم ان سكان العراق وهم باغلبية ( 84 % من العرب ) لايعرفون اللغة الكردية ، اما المحاكم فقد سارت ومنذ عام 1921 ، ونظمت كافة سجلاتها واوراقها والقوانين باللغة العربية ، فكيف يتم تطبيق هذه المادة في جميع انحاء العراق امام حالة تعذر التكلم باللغة الكردية ، وقد لاحظنا ان جميع الكرد في العراق من الناحية الفعلية يتكلمون اللغة العربية ، وبالمقابل فأن العرب لايتكلمون اللغة الكردية لعدم تهيلتهم بالأساس للتكلم بهذه اللغة ، فكان يفترض ان يذكر ان اللغة الرسمية في العراق هي اللغة العربية ويحق لاقليم كردستان التحدث باللغة الكردية الى جانب اللغة العربية ، اما الوثائق والمستمسكات والوقائع العراقية فهذه من الامور التي يتعذر تنفيذها ـ بأعتبار ـ اللغة الكردية رسمية الى جنب اللغة العربية . 
كذلك اربك المشروع المسودة ، حيث اوجب اعتبار اللغتين التركمانية واللغة السريانية رسميتان في المناطق ذات الكثافة السكانية للمتحدثين بهما . 
ان النص لم يفرق بين مصطلح ( اللغة الرسمية ) و ( اللغة المحلية ) ، ففي بعض النواحي والاقضية من العراق توجد اكثر من قومية واقلية ، وقد يصل العدد الى خمسة ، فهل سنكون امام خمس لغات رسمية في هذه الناحية؟ وهل يستطيع الموظف الذي يدير هذه الناحية او القضاء ان يتعامل مع هذه اللغات بشكل رسمي ؟!
اذا كان قاضيا لمحكمة منفردة فأي لغة سوف يطبق ؟ والمحكمة المنفردة تهني المحكمة في الناحية او القضاء .
ثالثا القوات المسلحة 
نصت الفقرة ( اولا ـ أ ) من المادة التاسعة من الدستور على ما يلي : 
( تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي تراعي توازنها وتماثلها دون تمييز او اقصاء . . . . ) . 
بهذا المادة دمجت القوات المسلحة ( الجيش ) مع الاجهزة الامنية ( الشرطة )، بمعيار واحد ، اذ المعتاد ان القوات المسلحة لها خصيصة عسكرية خارجية ، اذ يوكل اليها ـ عادة ـ الدفاع ضد الغزو الخارجي ولا يجوز لها بعد اليوم ان تشن هجوما خارج حدودها الاقليمية ، طبقا للمعايير الدولية الجديدة ، اما الشرطة فهي قوات امنية تتكفل بحفظ الامن والنظام في داخل الدولة ، اعتادت العديد من دول العالم ان تعتبرها جهات مدنية وليست عسكرية ، والخوف من النص ان القوات المسلحة سوف تراعي مسألة الطائفية والعراقة بعيدا عن المواطنة المجردة ، وبالتالي فيجب ان يكون النص البديل فيه التأكيد على ان القوات المسلحة تتكون من ابناء الشعب العراقي وتخضع لقيادة مدنية واجبها الدفاع عن وحدة وسلامة اراضي جمهورية العراق ولا تكون اداة لقمع الشعب العراقي ولايجوز لها ان تتدخل في الشؤون السياسية ، وبالتالي فلا دور لها في تداول السلطة ولايجوز تسييسها بأي شكل من الاشكال . 
رابعا المليشيات العسكرية : 
نصت الفقرة ( اولا ـ ب ) من المادة ( 9 ) على ما يلي : 
( يحظر تكوين مليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة  )
ان القراءة الاولية المخالفة لهذا النص تجيز ( تكوين مليشيات عسكرية داخل اطار القوات المسلحة الحكومية ) كما ان النص لم يتطرق الى المليشيات شبه العسكرية وهي موجودة فعلا في الدولة العراقية ، وقد صدرالامر التشريعي  الامر رقم ( 91 ) من قبل الحاكم المدني للعراق بدمج المليشيات وتنزع الاسلحة وان التطبق الفعل لهذا الادلة بردود سلبي عن ( القوات  المسلحة والمعالجة الفعلية ان ( يحظر تكوين المليشيات العسكرية وشبه العسكري داخل او خارج اطار القوات المسلحة ) . العمل بالامر التشريعي رقم (9 لسنة 2009) 
ان بناء دولة الدستور والقانون يعني ان هناك سلطة واحدة تحتكم بكل مرافقها الى دستور الدولة ، وان سلطاتها تنصرف الى القوة العسكرية وقوة الشرطة ،وهي واحدة وتابعة للدولة فقط ، وان لا وجود لسلطة الدولة بوجود المليشيات ( عسكرية او شبه عسكرية ) . 
خامسا ـ احكام الجنسية : 
نصت المادة ( 18 ) بما يلي : 
اولا ( العراقي هو كل من ولد لأب عراقي او لأم عراقية . 
ثانيا ـ أ : يحظر اسقاط الجنسية العراقية  عن العراقي بالولادة لأي سبب من الاسباب ، ويحق لمن اسقطت عنه طلب استعادتها وينظم ذلك بقانون ) . 
لقد اثارت هذه المادة جدلا كبيرا بين اعضاء اللجنة وبين مؤسسات المجتمع المدني ، حيث حصل اختلاف في منح الجنسية لمن يولد من أم عراقية ويأخذ نفس الحكم لمن ولد لأب عراقي ،وبالتالي اذا ما تزوجت العراقية من أي شخص بدون استثناء فبامكان اولادهما ان ينتسبون الى هذا الأب ويعتبرون عراقيون بالولادة ، وهذا المبدأ خطير في المعايير الدولية . كذلك منح الجنسية لمن اسقطت عنهم ، وحق المطالبة باستعادتها كانت من المسائل التي جرى الاختلاف عليها كثيرا اذ تحصل فيها مداخلات كثيرة لعبارة ( اسقطت الجنسية العراقية عنهم ) فهناك اليهود الذين اسقطت عنهم عام 1948 ، او التبعية الايرانية في اواخر السبعينيات من القرن الماضي . 
وقد تناولت هذه المادة احكاما عديدة كان يتفرض تركها الى احكام القانون الذي سيشرع من قبل اعضاء مجلس النواب . وعدم الخوض الا في الاحكام العامة للجنسية . 
سادسا ـ الاحوال الشخصية 
نصت المادة ( 39) على ما يلي : 
( العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب ديانتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون ) . 
ان المتبع للاحوال الشخصية في العراق يجد ان كافة النقاشات والحوارات تبدأ في ظل قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم ( 188) لسنة 1959 ، لوم اجد في كل النقاشات التي دارت حول هذه المسألة العودة الى ما قبل هذا القانون ، فالمعروف ان العراق كان جزءا من الامبراطورية العثمانية ،وان الدستور النافذ بحق العراق هو القانون الاساسي العثماني الصادر في 24 / 12 / 1876 الذي اعتبر الدولة العثمانية هي التي تحتوي على الممالك والقطع الحاضرة وعلى آليات  الممتازة وجميعها جسم واحد ، واحد ، وان مدينة استنانبول هي عاصمة الدولة العثمانية ،وان السلطة العثمانية الحائزة على الخلافة الذي تكون لأكبر اولاد سلالة آل عثمان بحسب الاصول القديمة .
وقد اطلقت المادة الثامنة من القانون كلمة ( عثماني ) ، حيث جاء فيه : ( يطلق اسم عثماني بدون استثناء على كافة افراد التبعة العثمانية ، من أي دين ومذهب كانوا ،وهذه الصفة العثمانية تفقدا و تستحصل على مقتضى الاحوال المعينة قانونيا ) . ثم صدرت مجلة الاحكام العدلية التي تنظم الامور ( المدنية والتجارية والشرعية ) والزمت هذه المجلة تطبيق ( المذهب الحنفى ) على كافة الممالك والولايات والمقاطعات التابعة للدولة العثمانية ومنها ( العراق ) واستمر هذا الحال حتى عام 1951 حيث تشريع القانون المدني العراقي من قبل المرحوم الاستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري احد جهابذة القانون في العالمين العربي والاسلامي وكذلك الدولي ، والذي شغل منصب عميد كلية حقوق بغداد ، وبعد هذا الواقع القانوني كانت الاحكام الشرعية تعالج من قبل المحكمة الشيعية والمحكمة الشرعية السنية ، حيث يجلس قاضي شيعي في المحكمة الشرعية الشيعية وقاض سني في المحكمة الشرعية السنية . اما الأديان والطوائف الاخرى فكانت تنظمها محاكم المواد الشخصية وينظر فيها من محاكم البداءة ، وهذه المحكمة تراعي متطلبات الكنيسة فيما يتعلق بالديانة المسيحية وأئمة الصابئة المندائية فيما يتعلق باتباع هذا المذهب ، واستمر هذا الحال حتى عام 1969  ، حيث توحدت هذه المحاكم واصبحت محكمة الاحوال الشخصية تنظر الاحكام الشرعية للشيعة والسنة على حد سواء . 
اما يتعلق بقانون الاحوال الشخصية رقم ( 188) لسنة 1959، فقد جرت عليه تعديلات من قبل حكومة الجمهورية الاولى ( الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ) جوبهت بالرفض من قبل ابناء الشعب العراقي لأنها عالجت احكام الميراث بخلاف ما ورد في القرآن الكريم ، وقد طرأ على هذا القانون تعديلات عديدة بلغت اكثر من سبعة عشر تعديلا ، واصبح قانون الاحوال الشخصية رقم ( 188) لسنة 1959 المعدل من القوانين النموذجية في المنطقة العربية والاسلامية ، والسبب ان التعديلات التي ادخلت على القانون اخذت من جميع المذاهب الاسلامية بحساب افضل معالجة ترد من أي مذهب يتعلق بمسألة من مسائل الاحوال الشخصية كالزواج والطلاق والنفقة والحضانة والعدة والميراث والوقف ، كما جاءت بعض الاحكام التي اعطت المرأة بعض الحقوق منها : 1 ـ تنظيم حالة تعدد الزوجات . 
2 ـ حق الزوجة المطلقة تعسفا في التعويض 
3 ـ منح الزوجة المطلقة حق السكن في دار الزوجية لمدة ثلاث سنوات لمن لاتملك دار مسجلة باسمها في دوائر التسجيل العقاري . 
4 ـ نظمت احكام الحضانة باعطاء الحق للمرأة وانها تفقد هذا الحق بفقدها احد الشرطين .
أ ـ زواجها من اجنبي . 
ب ـ سوء سلوكها .
وان الاولاد ( بنين وبنات ) يخيرون بعد اكمالهم سن الثمانية عشر سنة فيما يتعلق بالحضانة ،وقد نزل المشرع الى خمس عشر سنة بدلا من سن الثمانية عشر ، وهي سن الرشد في القانون المدني العراقي للراغب والمقتدر على الزواج (1) . 
وفيما يتعلق بالميراث فقد اخذ القانون بالمذهب الجعفري بتوريث ابن الابن في حالة وفاة الابن . ان هذه الاحكام موائمة بين جميع المذاهب الاسلامية ، وما يتخوف منه رجال القانون والقضاء وبعض المنظمات النسوية هو صدور قانون احوال الشخصية لكل دين او مذهب ، وبالتالي تفقد المرأة العراقية هذه الحقوق التي اكتسبتها بهذا القانون ، الصعوبة العملية في اصدارمثل هذه القوانين ان تكون هناك محاكم لكل دين او مذهب ، وبالتالي تعذر انشاء مثل هذه المحاكم ، اذ المعروف ان لمحكمة المنفردة في القضاء او الناحية ومركز المحافظة يوجد فيها قاض لمحكمة الاحوال الشخصية ( منفردة ) وان قرارته التي يصدرها تميز امام هيئة خاصة مشكلة في محكمة التمييز وان بعض القرارات تمييزا وجوبي ، وبالتالي فان احكام محاكم الاحوال الشخصة لتعلقها بـ ( الحل والحرمة ) تكتسب اهمية استثنائية بالنسبة للقضاء والشرع على حد سواء ، فاذا ما كانت هناك قوانين متعددة للمذاهب والاديان ، فسوف نكون امام قضاة يمثلون هذه المذاهب والاديان في الناحية والقضاء والمحافظة ، وهذا امر متعذر جدا في الوقت الحاضر والمستقبل . لعدم امكانية توفير .
كما ان اعداد التعداد الهيئة التمييزية يجب ان تنشطر لكي تحتوي على هيئات من ذات الاديان والمذاهب ، وهذا غير ممكن اطلاقا ، لهذا فالموضوع باعتقادنا بحاجة الى معالجة جدية وهي من مهام مجلس النواب القادم . ان خطورة هذا الاتجاه لاتتجسد في تعذر التطبيقات العملية ، انما باعتقادنا يجب ان يكون كيان الدولة موحدا وسلطة القضاء هي احدى السلطات الاساسية في الدولة ، فيجب ان تكون موحدة سهلة واضحة لغرض القيام بواجباتها على الوجه الصحيح ، اذ ان واجب تيسير العدل من واجبات الدولة ـ المعاصرة ـ الاساسية . والعدل بهذه الكنيسة يكون مستحيلا  وبالتالي تعقد الدولة المعاصرهم اركان مكونها . 
الفدرالية والاتحادية :
مع اننا من دعاة الفدرالية ، كنظام سياسي اداري لبناء الدولة ، الا ان التلاعب بالمصطلحات احدث خلافا بين اعضاء اللجنة الدستورية والقيادات السياسية العليا لعدم وجود نظرية متكاملة جاهزة للتطبيق في العالم للفدرالية .
فقد وقف البعض البعض عن مصطلح ( الاتحادية ) وان نظام الحكم يجب ان يكون ( اتحادي ) ، مقابل رأي يؤكد على ضرورة التأكيد على مصطلح ( الفدرالية ) وليس الاتحادية ، والسبب ان الاخير يعني وجود اكثر من دولة لكي ( تتحد) ، اما ( الفدرالية )فهي نوع من انواع ادارة الدولة تطورت من هي نوع من انواع ادارة الدولة المركزية الى اللامركزية الى الفدرالية ، وهي بالتالي اوفق في واقع الحال من المصطلح الاول ، ولكن يبدو ان القوى السياسية الحالية ( المعارضة سابقا ) قد اتفقت خارج العراق على مصطلح الاول ( الاتحاد الاختياري ) وهذا ما اوردته صحيفة الاتحاد التي يصدرها ( الحزب الوطني الكردستاني ) بعددها ( 1079 ) الصادر في7 / 8 /2005 تحت عنوان ( توضيحات ضرورية حول كركوك وسياسات التطهير العرقي ) المرفق مع الدراسة لاهميته ، تأكيد على اتفاقهم على ( الاتحاد الاختياري ) ومن باب المخالفة للفظ ان من يختار الاتحاد يملك ان ينفصل عن الاتحاد ، وبالتالي تم معاملة ( كردستان ) بانها قابلة للاضواء تحت خيمة العراق او خروجها بارادتها ، وحق تقرير  المصير المتفق عليه بين قوى المعارضة ، وهكذا كانت المادة ( 1 ) من الدستور التي تنص على : ( جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ( برلماني) ديمقراطي اتحادي ) وكان ممثلو الكرد يؤكدون في مناقشات اللجنة الدستورية والقيادات السياسية العليا على الاتحاد الاختياري ، وحق تقرير المصير للشعب الكردي ، ويبدو انها فرضت على الدستور بناء على هذا الاتفاق المسبق ( بين كتلتي  الائتلاف الموحد والتحالف الكردي ) . وطيلة المناقشات كنا شخصيا نؤكد على ضرورة ايضاح الموقف الكردي من هذه المسألة وان واقع بناء الدولة الجديد ينطلق من نظام دكتاتوري فردي شمولي فرضه صدام حسين ( المخلوع ) على الدولة العراقية ، كذلك لاينطلق من ان تجربة كردستان واقع ، وبالتالي التعامل  معها على هذا الاساس ، انما نحن نحن نجلس لكي نشيد دولة ، تأخذ هذه المعطيات بنظر الاعتبار ولكن الاهم ان نجلس شركاء لكي نؤسس اركان الدولة العراقية الجديدة ،والمعالجة الفعلية لهذه المسألة ـ اذ ما اصر الكرد على ذكرها ـ ان نقول : ( جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة نظام الحكم فيها جمهوري ، نيابي ( برلماني ) ، ديمقراطي ، فدرالي او ( اتحادي غير قابل للانفصال ) . 
ان التخوف من النظام الفدرالي وطريقة بنائه ، كان منبعثا من الشيعة ـ الكرد ـ السنة ـ القوميات والاقليات جميعا ، على السواء من الناحية الفعلية ، بسبب عدم وضوح ( النظرية ) والخشية من ان تشهد بعض المناطق قوة ،وتشهد المناطق الاخرى ضعفا ، لأسباب ودواع عديدة ، منها الادارة ، الاقتصاد ، المساحة ، الجغرافية ( الموقع والثروات ) . 
فالكرد يعتقدون انهم للفترة ( 1991 ـ 2003 ) استطاعوا تأسيس حكم ذاتي جلب عليهم الخير والأمان طيلة مدة ابتعادهم عن ( الحكومة المركزي في بغداد ) ، وبالتالي فهم لايستطيعون التضحية بهذه التجربة بأي شكل من الاشكال ، ولكن عند التدقيق في هذه التجربة نجد انها ( حديثة ) طور الانشاء ، وغير مستقرة بسبب عدم الاطمئنان حتى بين الكرد انفسهم ، وبالاخص ( الاسلاميون ) منهم ، وبالتالي وبخصوصية هذه التجربة اعطيت وصفا خاص من قبل مجلس الحكم ( المنحل ) في احكام قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية . 
وبالتالي فهذه التجربة يجب ان تؤسس يوضع جديد في الدستور ، وهذه المسالة لم يستطع الاكراد ـ للأسف ـ فهمها .
كذلك تخوف منها العرب السنة ، كون المحافظات الشيعية كثيرة العدد والسكان ، وبالتالي اعطاؤهم هذه المكنة في الدستور تخولهم تأسيس دولة شيعية كبيرة في كيان الدولة العراقية ، ولربما تكون هذه الدولة اقوى الدول من حيث المساحة ، السكان الاقتصاد ، العلاقات الدولية عبر منافذها المتعددة . . . 
عزز ذلك الاتجاهات السياسية للقادة السياسيين ومنها خطاب القاه السيد عبد العزيز الحكيم حول فدرالية (9) محافظات في شهر آب 2005 مما زاد وعزز من المخاوف في نفس الوقت . 
اما تخوف الشيعة فمؤسس على الشك والريبة في (الحكومة المركزية ) ومع تغير السلطة في العراق وقادتها من الشيعة ، فان اغلب مناطق الشيعة لم تحقق أي تقدم ، بل العكس من ذلك ، فهي في ترد في العديد من الامور ، ومنها الخدمات والبطالة وعدم استقرار الوضع الامني ـ نسبيا ـ .
اما تخوف القوميات ـ عدا العربية والكردية ـ والاقليات فمرده الى انها سوف تذوب في هذه الكيانات التي سوف يشتد عضدها وتصبح دولا قوية وبالتالي سوف تسحق هذه القوميات والاقليات وربما الاديان في ظل البناء الجديد للدولة العراقية . 
ان هذه المخاوف ـ جميعا ـ لها ما يبررها فعلا!! 
والاتجاهات فيها واضحة ، فالكرد يردون تاسيس الدولة الكردية من شرق الموصل الى شرق ميسان والتأكيد على كركوك ـ الدولة الغنية بالترول ـ ، وقد عززت هذه الاتجاهات بافعال عديدة قام بها الساسة الكرد زادت المخاوف . 
والشيعة يردون تأسيس اقليم الجنوب من (9) محافظات قابلة للزيادة تضم اغنى المحافظات في العراق ـ اقتصاديا ـ وبالتالي فسوف يكون اوسع اقليم يطلق عليه البعض ( دولة الشيعة ) . وقد صرح الساسة الشيعة بما يشبه ذلك ، وكذلك المطالبة بالتصرف بالبترول ، بل عموم الثروة الهايدر وكاربونية ، وجرت تصرفات ـ فعلية وقولية ـ عززت المخاوف من قيام دولة شيعية قوية ، سوف تأكل الدولة العراقية باجمعها .
وامام دولة الكرد ودولة الشيعة ، لابد للقوة الاساسية الثالثة في الدولة ان تجد لها مبررات القوة العرب السنة ، الذين يعتقدون انهم حكموا طيلة المائة عام الماضية وهم من طراز ( رجال الدولة ) . وامام دولة كردية ، واخرى شيعية ، وثالثة سنية ، وهذه الدول تستند الى ( الاتحاد الاتحادي ) ، والقوميات والاقليات الاخرى سوف تذوب في هذه الكيانات الثلاثة الكبيرة ( القومية ـ المذهبية ) .
القاعدة الاساسية التي ننطلق منها ان (الفدرالية ) هي فن بناء الدولة من الناحية الادارية على اسس حديثة تنسجم واهداف الدول في العصر الحديث بحيث ان المركزية لم تعد تتلاءم مع وظيفة الدولة المعاصرة ، ولكن لم تكن الفدرالية نظرية جاهزة لنقلها من دولة الى اخرى ، فالفدرالية نظرية يوجدها او يطورها السكان المحليون عادة ، فالفدرالية في الولايات المتحدة الامريكية تختلف من ولاية الى اخرى ، بل ان الفدرالية في ذات الولاية تختلف من مقاطعة الى اخرى ومن منطقة الى اخرى ، طورها السكان المحليون ولا علاقة للحكومة الاتحادية بذلك لكنها ـ الحكومة ـ وامام هذه التجربة تواضعت واقرتها ، انها الثقة بالسكان المحليين . والحكم المحلي في اليابان اسس على قاعدتين اساسيتين : الاولى : احترام ارادة الناخبين في اختيار ممثليهم لقيادة المناطق المحلية . 
الثانية : ما اظهره هؤلاء القادة المنتخبون من نزاهة وحرص على تطوير هذه التجربة . والاتحاد السويسري / الانموذج ، الذي قاده السكان الراغبون بالسلام بعد فترة من الصراعات الدولية حيث قادهم نابليون بونابرت وكذلك الصراعات الداخلية ـ الحرب الاهلية ـ ، ولكن اصرار السكان على بناء الدولة على اسس الامن والاستقرار والتقدم كنا امام دولة نموذج غير مدينة ـ ربما الدولة الوحيدة في العالم ـ ولايوجد لها قوات مسلحة واغلب المنظمات الدولية تتخذ من هذه الدولة مقرا لها .وحسبنا التجربة في دولة الامارات العربية المتحدة ـ الحديثة ـ التي لم تتجاوز دستور عام 1971 . حيث نجد ذهنية القادة السياسيين ورغبة السكان المحليين اكبر بكثير من مفردات المواد المصاغة في دستور عام 1971 .لااجد تجربة ( فدرالية ) فعلية في دستور عام 1971 ، ربما (لا مركزية ادارية ) محدودة ، ولكن واقع التطبيق الفعلي اظهر تقدما ملموسا آثار انتباه دول العالم اجمع ، وارسل رسالة ان ـ العرب ـ ربما يكونوا بناة جيدين كما كانوا سابقا من خلال تجربة الامارات العربية المتحدة .
ولا اريد التطرق الى تجارب المانيا ، ايطاليا ، هولندا ، بلجيكا ، فقد اعدت دراسات تفصيلية في هذا المجال ، ولكن ما اريد قوله انه لاتوجد نظرية واحدة قابلة للتطبيق في دولتين من دول العالم ، وهذا يصح على تجربة العراق الفتية . استطعنا من خلال جهد متواصل ارساء قاعدة اساسية فيما يتعلق بالفدرالية وهي ما ورد في صدر المادة (115) من الدستور والتي تنص ( يحق لكل محافظة او اكثر ، تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه ، يقدم باحدى الطريقتين : 
اولا : طلب من ثلثي الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم .
ثانيا: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم ) . وتطبيق هذه المادة مقترن باحكام المادة (114) حيث تنص( يسن مجلس النواب في مدة لاتتجاوز ستة اشهر من تاريخ اول جلسة له ، قانونا يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم ، بالاغلبية البسيطة للاعضاء الحاضرين ) .
ان تطبيق صدر هذه المادة فقط وهي ( يحق لكل محافظة . . . تكوين اقليم . .. ) بالشروط التي حدتها المادة واحكام المادة ( 114) تذهب بالمخاوف من الجميع ، والتطبيق الفعلي لهذه المادة ان
خارطة العراق ـ الادارية ـ تقسم العراق الى (18) محافظة ، فاذا ما تم استثناء كردستان ، نكون امام (15) اقليما ، أي ان تتحول ( 15) محافظة الى (15) اقليما . 
كل محافظة = اقليم . 
لاغراض تطبيق الفدرالية ، وان تتمتع كل محافظة( اقليم) بما يتمتع به اقليم كردستان من حقوق وامتيازات ، فسوف تكون هناك ثلاثة سلطات للاقليم ، التشريعية والتنفيذية والقضائية ، كذلك دستور تنظيم عمل الاقليم ، وبالتالي وبالواقع  الاداري الحالي ـ المستقر ـ نرسي دعائم الفدرالية في كل العراق ، دون طموح كبير للشيعة يهدد البلاد وان الكرد سوف يعملون على ثلاثة اقاليم لثلاثة محافظات بدلا من اقليم واحد (يتوسع ) . 
كذلك يبدد المخاوف التي يشعر بها ( العرب الستة ) ، وبذلك نحقق اهدافنا في ارساء الفدرالية على اساس بناء دولة معاصرة وتبدد المخاوف ونشعر جميعا بالاطمئنان لبعضنا البعض الاخر .
اما المعالجة للقوميات والاقليات الاخرى في الادارة المحلية داخل الاقاليم فسوف تطملنهم من اعتبارهم مشروعا للذوبان امام الكيانات الكبيرة . 
النفط والغاز والثروات المعدنية : 
معروف ان العراق يعد من اغنى دول العالم من حيث الثروات المعدنية ، بما فيها النفط والغاز وتوفر المياه للاغراض الصناعية والزراعية وتنوع الطقس وارض العراق وموقعه الجغرافي وقلة عدد السكان بالقياس الى الثروات يعتبر في مصاف الدول المتقدمة ، وبالرغم من تحطيم البنى التحتية في الدولة العراقية منذ عام 1980 الى 1988 في الحرب العراقية الايرانية ، مرورا الى غزو دولة الكويت عام 1991 والدمار الهائل الذي حل بالجيش العراقي نتيجة هذا الغزو وقرارات مجلس الامن الدولي بفرض الحصار الاقتصادي على العراق ، واخيرا دخول قوات الاحتلال الى العراق ، واكمال تحطيم ما تبقى من البنى التحتية جعلت العراق يعتمد فقط على ثروة النفط المصدر ، اما الغاز فيذهب هدرا يوميا وبتقدير ( 4 ـ 5 ) مليون دولار يوميا . 
ان هذا الواقع جعل اقتصاد العراق يعتمد على تصدير النفط بنسبة (93% ـ 95 %) من مجموع الدخل القومي للدولة العراقية ، وبالتالي فان اعادة بناء وتأهيل الدولة يستوحب وضع قاعدة عامة شاملة لهذه الثروة والتصرف بها وفقا لذلك ، اما ما نصت  عليه المادتين ( 109 ـ 110) فقد شهد بالاضافة الى التناقض الحاصل بينهما وضع مبدأ خطير في الاقتصاد العراقي وتأثيره على الشعب ، حيث نصت المادة (109 ) بما يلي : 
( النفط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات ) . كما نصت المادة ( 110) من الدستور بما يلي :
(تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد ، مع تحديد حصة لفترة محددة للاقاليم المتضررة والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون ) . 
ابتداء ان المادتين تركز ان فقط على النفط والغاز وتتجاهلان بقية المعادن ومنها الحديد والكبريت والزئبق واليورانيوم بانواعه  والمغنسيوم والنحاس والرصاص وغيرها ، والمفهوم المخالف لنص المادتين ان النفط والغاز هو ملك لكل الشعب العراقي بغض النظر عن مكان انتاجه ( تواجده واستخراجه) ، اما ما لم يتم ذكره من معادن فسيكون ملكا للاقليم او المحافظة التي تنتجه ويستخرج منها دون ان تستطيع الحكومة الاتحادية او الاقاليم الاخرى او المحافظات ان تشاركها فيه ، وهذا التناقض جزئي مع احكام المادة ( 109) المتقدم ذكرها ، كما ( ان ادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة . . . )  يثير العديد من المشاكل ، وتعد من الناحية الواقعية قنابل موقوتة في كيان الدولة العراقية ، ومصدر اساسي من مصادر الدخل في الدولة ، بل المصدر الوحيد من الناحية الفعلية ، فهذه ( المعية) في الادارة سوف لن تمكن الحكومة الاتحادية ولا حكومات الاقاليم والمحافظات من اتخاذ أي قرار في هذا الشأن وذلك بتضارب المصالح في اعتقادنا ، كذلك تضارب الاهواء والرغبات والفهم الاستراتيجي الاقتصادي لهذه الثروة ، ايضا ان دول العالم سوف لن تتقدم للمساعدة او الاستثمار في هذا الحقل ، طالما كانت هذه مبهمة ، ان عبارة  (المستخرج من الحقول الحالية ) يتيح للاقاليم والمحافظات ان تتمتع بملكية النفط والغاز الذي سوف يستخرج مستقبلا.
ان توزع هذه الثروة في عدد من المحافظات دون المحافظات الاخرى يثير اشكالية التطبيق والتوزيع ، وبالتالي تعطل الدولة بأكملها نتيجة تعطل هذا المرفق ، نحن نعتقد ان المعالجة التي وردت في قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية كانت اكثر توفيقا من نص المادتين اعلاه ، ولهذا بالامكان اختصار المادتين بمادة واحدة تقرأ على النحو التالي : ( النفط والغاز وكافة المعادن والفلزات ملك للشعب العراقي بكافة الاقاليم والمحافظات تدار هذه الثروة من قبل الحكومة الاتحادية سواء المستخرج منها حاليا او التي ماتزال في باطن الارض من غير المكتشفة او المستخرجة ، على ان توزيع وارداتها بين كافة ابناء الشعب العراقي حسب التوزيع السكاني في الاقاليم والمحافظات مع الاخذ بنظر الاعتبار المحافظات التي تضررت من جراء سياسات النظام السابق بما يحقق التنمية المتوازنة لجميع المناطق في البلاد)  .