لقمة صغيرة في افواه الفاسدين

 

بدأ شهر رمضان وبدأت معه الموجات الثلاث المعروفة ، موجة جديدة من المذابح الارهابية ، موجة جديدة من الحر ، موجة جديدة من انقطاع الكهرباء ، يصف العراقيون انفسهم في الشعر واحاديث المقاهي بأنهم اهل الغيرة والنخوة والشجاعة وان الذبابة لاتجرؤ على المرور من فوق انوفهم ، لكنهم لم يكونوا كذلك في مواجهة هذه الموجات التي برهنت ان العراقيين شعب مستضعف يتفرج على بلده الثري العريق كيف يصبح لقمة صغيرة في افواه الفاسدين ، يبتلعونها بسلاسة فلا يغص احدهم بالملوية او ساعة القشلة ، كيف احتل المرتبة الحادية عشرة في تشكيلة الدول الفاشلة ، وكيف ان ربع سكان تحت خط الفقر ، رحلة المواطن متواصلة بين الفقر والخوف والذل ، مواطن يذله اصحاب المولدات الاهلية الذين يسرقون نقوده كل شهر ، فاذا عاتبهم وهو يتصبب عرقا سلقوه بالسنة حداد فلاذ بالصمت ، تذله نقاط التفتيش التي مازال جنودها يحملون جهاز السونار الوهمي الذي جاء بصفقة تأريخية راح ضحيتها التاجر البريطاني القابع في السجن عشر سنين ، لكن السونار مازال محترما عندنا وكلما رآه الناس في نقاط السيطرة شعروا باهانة فلاذوا بالصمت ، مواطن تذله دوائر الدولة التي لا تنجز له معاملته الا برشوات منتظمة يتقاضاها موظفون كالذئاب بل اشد ضراوة فيلوذ بالصمت ، يذله راتبه الهزيل الذي هو فضلة من مائدة المترفين ، يريد ان يعيش به عزيزا كريما وهيهات منه ذلك ، فمنه يدفع ايجار البيت وايجار المولد وايجار المدرس الخصوصي وايجار كناسي القمامة واجور الماء والكهرباء وتكاليف الطبيب ورشوات الدوائر يفرغ جيوبه ويلوذ بالصمت ، مواطن في بلد ثروته كثروة الولايات المتحدة لكنه يعيش عيش الصومال فيلوذ بالصمت ، الذين يفترسون العراق ويمضغونه كل يوم لا يخافون من أحد ، فما سر شجاعتهم ؟ جندي من افراد الحمايات يتصرف في الشارع كحرملة ويرى جميع الناس خرافا للذبح ، صاحب مولدة عندما تتحدث معه تشعر كأنك تتحدث مع عبيد الله بن زياد ليس له رغبة في الرد عليك ، وكيل الحصة لا يعجبه ان ينظر اليك وانت تتحدث معه ، موظف في دائرة هو امبراطور والمواطن امامه قزم ذليل ، هذه الموجة من الاذلال تثير ثلاثة اسئلة على الاقل : 1- لماذا يتصرف هؤلاء المذكورون اعلاه كجبابرة لا يخافون من أحد ؟ من اين جاءتهم الشجاعة والثقة بالنفس ؟ ... 2- لماذا يشعر المواطن بكل هذا الرعب منهم ويخضع لهم ، هل هؤلاء هم جلاوزة المرحلة ؟... هناك المصريون حشدوا 6 ملايين متظاهر فاسقطوا رئيسهم ، اما العراقيون فعاجزون عن اسقاط صاحب مولدة او وكيل حصة او معقب في دائرة المرور ! 3- الا يدل هذا المظهر على أن قوى الفساد هي السلطة الحقيقية التي تستعبد الجميع وترهب الجميع ؟ أليست هذه هي اللحظة التي يقف فيها العراقي امام الشدائد وحيدا فريدا ، خندقان في جبهة طرفها الاول قوى الفساد والارهاب وطرفها الثاني شعب اعزل ، جبهة الفساد متماسكة ، قوية ، مدججة ، واثقة ، خبيرة ، وجبهة المواطن خاوية مشتتة تلوذ بالصمت ، قوى الفساد نجحت مسبقا في تقسيم الناس الى طوائف واعراق ومناطق ارادت اقناعهم بأن يتقاتلوا فلم يفعلوا ، استوردت آلاف الارهابيين لقتلهم عشوائيا ، صراخ الثكالى اليومي يحجب اصوات اؤلئك الذين يقتسمون الغنائم ، العراقي وحده يقف امام مشهد برزخي ، يتصبب عرقا ، ينفعل ، يرتجف ، يلوذ بالصمت ، تنتظره الجلطة ، يموت في المصعد العاطل الذي استوردته احدى شركاتهم ، لا أحد يبكيه لأن الناس منشغلون باستخراج الجثث من تحت انقاظ الانفجار الجديد .