تراثنا الوطني إلى أين ؟!!

 

بمفهومه البسيط هو خلاصة ما خلَفته (ورثته ) الأجيال السالفة للأجيال الحالية . التراث هو ما خلفه الأجداد لكي يكون عبرة من الماضي ونهج يستقي منه الأبناء الدروس ليعبروا بها من الحاضر إلى المستقبل. والتراث في الحضارة بمثابة الجذور في الشجرة، فكلما غاصت وتفرعت الجذور كانت الشجرة أقوى وأثبت وأقدر على مواجهة تقلبات الزمان. ومن الناحية العلمية هو علم ثقافي قائم بذاته يختص بقطاع معين من الثقافة (الثقافة التقليدية أو الشعبية)ويلقي الضوء عليها من زوايا تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية. 
التراث الشعبي عادات الناس وتقاليدهم وما يعبرون عنه من آراء وأفكار ومشاعر يتناقلونها جيلاً عن جيل. ويتكون الجزء الأكبر من التراث الشعبي من الحكايات الشعبية مثل الأشعار والقصائد المتغنّى بها وقصص الجن الشعبية والقصص البطولية والأساطير. ويشتمل التراث الشعبي أيضًا على الفنون والحرف وأنواع الرقص، واللعب، واللهو، والأغاني أو الحكايات الشعرية للأطفال، والأمثال السائرة، والألغاز والأحاجي، والمفاهيم الخرافية والاحتفالات والأعياد الدينية.
ومن الموروثات الشعبية هو ما يسمى عراقياً بالـ (( إنتيكات )) حيث تزخر منطقة سوق الصفافير ببغداد بالعديد منها ، وهي أدوات كان يستخدمها البغداديون خاصة والعراقيون عامة في أحقاب وقرون مضت ، ومنها مازالت سائدة الإستخدام حتى يومنا هذا ، كالدلال العربية في مضايف جنوبنا الحبيب ومضارب الغربية  والشرقية والشمال من عراقنا العريق .
والحالة هذه ؛ فإنَّ الحكومة العراقية ـ سابقاً أكثر من لاحقاً ـ كانت تمسك بقبضة فولاذية على التفتيش الحدودي العراقي ، بحيث يتعذر تسرّبها إلى خارج أرض الوطن ، إلا تلك النسخ المستنسخة التي تصنع في الأسواق العراقية وتباع إلى السائحين الوافدين ، شأننا شأن الدول الأخرى .والمشكلة التي يتناولها هذا الحديث لا تقصدها ، بل ؛ تقصد مقتنياتنا الوطنية الأصلية التي سبق وأن تسرّبت إلى متاحف عالمية واستقرت فيها ، بحيث تشرّفت بها تلك المتاحف ، بينما لا زالت متاحفنا الوطنية تفتقر لوجود نسخها الأصلية .
ومن التراث العراقي العريق النسخ القرآنية النادرة ، التي كانت قد كتبت بأيدي خطاطين عراقيين وغير عراقيين ، استطاعت بعض الأيادي القذرة من تسريبها إلى خارج أرض الوطن وبيعها والتصرف بأثمانها باللذائذ والفجور والخمور التي سرعان ما زالت ، لكنْ ؛ زالت معها مقتنياتنا التراثية الوطنية العائلية العريقة التي ورّثها أجدادنا لنا وللعراقيين كافة .
إنَّ عمر المكتبة العراقية يقدر بآلاف السنين ، فمنذ العهد البابلي وفي العراق مكتبات للرقم الطينية ، شهد المنقبون آثاراها ،ولا تزال مواقع آثارية لم يُهتدى إليها حتى اللحظة ، ويشهد تاريخ المكتبات العراقية هذه الجمهرة العريضة من المخطوطات والكتب التراثية النادرة ، ولا تزال العوائل العريقة والعتبات والمراقد المطهرة في المدن العراقية تحتفظ بهذه المخطوطات النادرة النفيسة ، وتعد منهلاً من مناهل التزود بالمعرفة والفكر والدراية والتبصر على مختلف الأغراض الثقافية . إلا أن الحكومة العراقية ممثلة بوزارة السياحة والآثار لم تمسك على الحدود العراقية ، الأمر الذي تسبب في تسرّب الكثير منها إلى مختلف دول العالم ، وبيعت في الأسواق بثمن بخس . لعلّه ، هنالك ظروف موضوعية قاهرة حالت دون مسك الحدود ، سيّما وأن الوزارة مشكورة تتعاهد على نفسها مهمة إعادتها بشتى الوسائل المتاحة ، إلا أنَّ التقصير لازال مستشرياً ـ مع الأسف الشديد ـ !!!
صحيح ؛ أن تخلف بعض العراقيين نتيجة للتربيات الحكوميات المتعاقبات التي أفقدتهم وطنيتهم أدى إلى نهب الممتلكات العامة للدولة العراقية ، خلال فترات الإنفلاتات الأمنية المتعاقبة ، إلا أن هذا لا يعذر الحكومة من الإناطة بمهامها المسؤولة عن أداء أعمالها التراثية التاريخية الوطنية ، ومنها حفظ التراث الوطني وملاحقة المسيئين ، لأنَّ مَنْ أمِنَ العقوبة أساءَ الأدب !.. 
ولعلّه ؛ أنَّ وجود النسخ الأصلية في المتاحف العالمية أفضل لها من وجودها بين أيدي أمثال هكذا عراقيين ، لكنْ؛ هذا لا يعني السكوت الأبدي ، بل ؛ على الجهات التراثية الحكومية متابعة هذه الموضوعة بكل جدّية وأمانة ومسؤولية حتى الرمق الأخير، وسوف لن يعذرَ التاريخُ المقصرين !