ان حجم الأخطاء وسوء ادارة الحكم التي ارتكبها النظام الديمقراطي في العراق هي اكبر كمّا ونوعا وافدح اضرارا من التي ارتكبها نظام حكم الاخوان في مصر .ومع ذلك لم يستطع العراقيون اسقاط الحكومة فيما استطاع المصريون اسقاطها قبل ان تبدأ عامها الثاني.فما اسباب هذه المفارقة غير المنطقية قياسا بتاريخ الثورات وسيكولوجيا التمرد على السلطة في الشخصيتين المصرية والعراقية؟ نوجز اهم الأسباب في الاتي: 1. ان المصريين هم الذين اسقطوا نظام حكم مبارك في تظاهرات واعتصامات يومية وليلية في ساحات التحرير ومواجهات عنيفة مع قوى النظام قدموا فيها التضحيات من اجل تحقيق شعارهم (اسقاط النظام) ومطالبة الحاكم قسرا بالرحيل..فيما القوى الأجنبية هي التي اسقطت نظام الحكم في العراق كان فيه العراقيون متفرجين يراقبون مشهد الاطاحة بنظامهم دون ان يكون لهم اي فعل ثوري في اسقاطه ولا حتى الاطاحة بتمثال رئيسهم في ساحة الفردوس. ويعني هذا سيكولوجيا ان الجماهير التي تنجح في اسقاط نظام حكم فاسد يتعزز لديها فعل التمرد وروح التحدي وتنجح في اسقاط نظام حكم يليه يفشل في تحقيق المطالب التي ثارت من اجلها..وهذا الذي افتقده العراقيون في انهم ما كانوا هم الذين اسقطوا نظام حكمهم. 2. ان نظام حكم الاخوان في مصر يمثل جماعة معروفة ومحددة هي التي تتحمل بمفردها الفشل في ادارة الحكم ،فيما نظام الحكم في العراق يمثل حكومة شراكة تجمع قوى سياسية متضادة في حال يشبه تماما جريمة..القاتل فيها شخص محدد بعينه وجريمة ارتكبها ممثلو جماعات مختلفة ضاع فيها دم القتيل. ويعني هذا ان فشل الحكومة العراقية في ادارة امور الدولة يتوزع على كل الكتل السياسية المشاركة في الحكم .وبما ان الكل مشاركون في " الجريمة" فان الناس المحسوبين على هذه الكتل يرون انفسهم شركاء ايضا في هذا الفشل ،وانهم ان ثاروا فانهم كمن يثور ضد نفسه.وانه لو كانت هنالك حكومة اغلبية في العراق محسوبة على كتلة سياسية محددة ،فان المسؤول عن الفشل سيكون معروفا للناس وانهم سيتوحدون للأطاحة به. ونزيد في القول ان هوية السلطة في حكم الأخوان بمصر كانت واضحة ومحددة ،وحين هتفت الجموع في ثورتها الثانية 30 حزيران /يونيو "يسقط ..يسقط حكم المرشد" فانها كانت تحدد شخصا بعينه وجدته هو المسؤول عن الفشل.والواقع ان هذا كان السبب الرئيس الذي اطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا لأنه كان ينفذ تعليمات المرشد في "اخونة " السلطة،ولم يكن يمارس سلطاته بوصفه رئيس دولة عليه ان يحقق مطالب الشعب بمن فيه معارضوه الذين بلغوا النصف بقليل في الانتخابات التي جاءت به،لاسيما بعد 22 تشرين الثاني 2012 حين منح نفسه صلاحيات تنفيذية مطلقة من خلال اعلان دستوري وقيامه بعد اسابيع بتمرير دستور اسلامي والتصديق عليه.اما في العراق فلا توجد هوية محددة للسلطة يمكن ان يعزى لها الفشل ،وان رئيس الوزراء –الرجل الأول في الحكومة - يتخذ قراراته باسم مجلس الوزراء الذي يضم ممثلين عن خصومه السياسيين،يغطي في بعضها قرارات ينفذ فيها تعليمات حزبه. 3. يوحّد الغالبية المطلقة في الشعب المصري مذهب اسلامي،فيما يتوزع العراقيون المسملون بين مذهبين اسلاميين(طائفتين) ،مارست الحكومات العراقية المتعاقبة انحيازا او اضطهادا طائفيا نجم عنه كراهية وعدوان ادى الى عنف شرس راح ضحيته الاف الابرياء من الطائفتين بين 2006 و2008 .ويعني هذا ان الحاكم الفاشل الذي يثور عليه نفس افراد طائفته لا يجد لفشله تبريرا طائفيا ،فيما الحاكم في العراق يغذي الشعور الطائفي في افراد طائفته ويشيع الخوف فيهم بأنه اذا ازيح عن الحكم فانهم سينتهون ،ولهذا فانهم يبررون اخطاءه ويغّطون على فشله ويقفون ضد من يطالب باسقاط حكومته. 4. ان التنوع الاثني في المجتمع المصري محدود ومساحة أرضه واسعة،فيما تنوع القوميات في المجتمع العراقي واسع،تحكمها صراعات سياسية حادة وقلق كينونة ووجود على ارض بمساحة محدودة.وهذا يعني ان الشعب الذي يكون فيه التنوع الاثني والديني والقومي محدودا يكون اكثر توحّدا في اسقاط حكم او تغيير حكومة من شعب تكثر فيه هذه التنوعات. 5. ان حكومة الاخوان في مصر ليس لديها قوة خارجية تسندها او تحميها،ولهذا سهل على الجماهير المصرية التي اكتسبت الخبرة والشجاعة في ثورتها الاولى ان تطيح بحكومة الاخوان في ثورتها الثانية ،فيما يعتقد العراقيون أن حكومتهم محمية من اكبر قوة عالمية هي امريكا .ولهذا فانهم حين تظاهروا في شباط 2011 وحاولوا التوجه الى مقر الحكومة في المنطقة الخضراء فان الدبابات العسكرية اغلقت الجسر المؤدي اليها في دلالة فهموا معناها ان جيران مقر الحكومة في المنطقة الخضراء هي اكبر سفارة لامريكا في المنطقة..فتولد لديهم اليقين بأن اسقاط الحكومة أمر مستحيل ،فانكفئوا عاجزين بحالة سيكولوجية جديدة هي اليأس من اصلاح الحال. 6. قدّم الجيش المصري تجربة رائدة بوقوف المؤسسة العسكرية الى جانب الجماهير المطالبة بتحقيق مطالب مشروعة لم تستطع حكومة الرئيس مرسي تأمينها،لأن هذه المؤسسة بقيت محافظة على كيانها وتقاليدها بعد سقوط نظام حكم مبارك،فيما حلّت المؤسسة العسكرية بعد اسقاط النظام في العراق.ومع ان الجيش العراقي السابق جرى "تبعيثه" فانه لو لم تقم امريكا بحلّه لكان بالامكان ان يظهر فيه (سيسي) عراقي من طراز (سيسي)مصر..يقف الى جانب المتظاهرين في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد. 7. ان حكومة الاخوان في مصر لا يوجد لديها مبرر أمني وخطر داخلي يشغلها عن تلبية مطالب المصريين المشروعة،فصار تقصيرها مكشوفا امام الجماهير المحرومة،فيما توافر هذا المبرر للحكومة العراقية ومنحها العذر في ان تعطي الأولوية لدرء قوى الارهاب على حساب تأمين الخدمات الاساسية للمواطنين.ومع ان الحكومة نجحت في الحد من خطر الارهاب الا انها واصلت اسلوبها في تضخيم الملف الأمني على حساب تأمين الخدمات الأساسية وتحقيق العدالة الاجتماعية بعد ان وجدت الناس قد استكانت لها. 8. ان دور الفنانيّن والمثقفين في مصر وموقفهم من اسقاط حكومة الاخوان،اقوى من دور وموقف نظرائهم في العراق.فلقد عملت حكومة مرسي على "أخونة" الثقافة ،ما يعني القضاء على الدور الريادي لمصر في السينما والمسرح والغناء،كونها هي التي تغذي العالم العربي بهذه الألوان من الفنون.ولهذا شارك الفنانون والمثقفون في التظاهرات سواء بدافع حبهم للفن ورسالته الانسانية او لأن الفن يشكل مصدر رزقهم،او لقضايا انسانية ووطنية،فيما غاب دور الفنانيّن العراقيين،او كان ضعيفا،في تظاهرات العراقيين المطالبة بتحسين اوضاعهم،فضلا عن ان الحكومة العراقية لم يكن لها نفس الموقف "الأخواني"من الفن.
استنتاجات لها دلالات *ان المصريين تعلموا من خبرة اطاحتهم بنظامهم السابق ما جعلهم قادرين على احياء الأمل في نهاية جديدة،فيما تعلم العراقيون عجزا من خبرة فشلهم في تظاهرات 2011 اوصلهم الى يقين اليأس من اصلاح الحال. *ان عقل الحاكم المنتمي لحزب اسلامي سياسي مصاب بحول ادراكي..يرى الصواب في حزبه فقط.دليل ذلك ان مرسي بوصفه رجل دين سياسي،لم يفهم معنى المعارضة ووصف المتظاهرين بأنهم "فلول النظام السابق"،كذلك وصف "المالكي" المتظاهرين بأنهم "فقاعات"..وهو وصف اكثر استهزاءا وحطا للكرامة.وهذا الحول الادراكي ينطبق على كل حاكم منتم لحزب اسلامي سياسي،وأنه سينكشف حتى لو كان ديمقراطيا كما حصل مؤخرا لأردوغان في تركيا..ما يوصلنا الى استنتاج اهم..هو فشل الحكم الديني. *ان الخوف من السلطة تراجع في الشخصية المصرية،فيما الشخصية العراقية ما تزال تخشى السلطة،حيث تجري تصفية بكواتم الصوت لخصوم وناشطين سياسيين ومثقفين واكاديميين . ان مصر وضعت اقدامها على الطريق الصحيح المؤدي الى الديمقراطية بأن بدأتها بتشكيل حكومة تكنوقراط وكفاءات لا تمثل حزبا او جهة سياسية محددة،وانها ستحقق ما عجز عنه العراقيون ما دامت حكومتهم قائمة على المحاصصة الطائفية والاثنية.
|