مبارك وحدتك يا شعب العراق

 

لم اعرفه سابقا ولم التقيه ، حدود معرفتي  به  لا يتعدى مشاهدته على شاشة التلفزيون ، وهو يرقص فرحا لهدف سجله الليوث في مرمى الخصم ، اذن هذا هو الشخص المناسب الذي اجمع صوت العراق لوحده على نصرة الوطن بعقلية وطنية صادقة في اكبر محفل رياضي لمنافسات كأس العالم للشباب، ولا اعتقد ان احدايخالفني في هذا الرأي ، لأنه تحصيل حاصل لجهد بذله دون ان يؤجر قناة ولا مؤسسة اعلامية خاصة لتروج له كما هو الحال عند العديد من اصحاب الشأن على الساحة السياسية ...
حكيم شاكر ربما يكون سنيا أو شيعيا أو ربما يكون من طائفة غير مسلمة ..!! ولكن فضل ان يكون عراقيا قبل كل شيء ، ويعزز من عراقيته  بالأقوال  والافعال  ، ويترك ما يحزن قلبه وما يؤلمه من تسميات كلفت بلاده الكثير من الدماء والدموع ، ولهذا وجدته وسط الملعب لا يملك الا هاجسا واحدا ، هو كيف يفرح العراقيين شيعة وسنة ، مسلمين ومسيحيين ، يزيديين و صابئة وشبك ، بفريق شبابي متعدد التكوين من حيث الدين والمذهب والعرق ، ولكنهم عراقيون حتى العظم ، ربما يختلفون في الانتماء المذهبي  الا انهم لا يفضلونه على وطنهم وشعبهم الذين ينتظرون صفارة  الحكم كما هم ينتظرون للبدء بمنافستهم الوطنية الشريفة على انغام نشيدنا ((موطني))، وحين ينشدونه ترتفع اكف  الملايين مرة واحدة ، وفي وقت واحد نحو السماء بالدعاء لهم بالفوز لانهم يستحقونه بشرف ، 
اذن فان العقلية التي كانت تقف وراء هذه الدعوات الموحدة هي ليست بعقلية  سنية أو شيعية ، بل هي عقلية وطنية تسكن اعماق الروح العراقية التي تحرك الضمائر باتجاهها  الصحيح ، وهو علو شأننا في المحافل الدولية لنعود بذاكرة الاجيال باننا كنا ولا زلنا نمتلك ما لم يمتلكه الاخرون من ارادة وغيرة وطنية لا تلين امام الصعوبات والتحديات ، واذا كان البعض يغارون من تلك الحقائق فهم يحسدوننا على ما نحن عليه من عزة و ولاء وانتماء لوطن يسكن الاحداق ، وان اختلفنا في تفسير  الاجتهادات حول حجم محبتنا له ، ولهذا فان تعددية الاديان والمذاهب والقوميات  لم  تكن ذات يوم عاملا من عوامل ضعفنا ، بل كانت قوة مضافة لوحدتنا التي كنا نستمد منها القدرة على المطاولة للوقوف بوجه من يحاول من ان ينتزعها منا تحت شتى المسميات...
السؤال الذي يحضرني باستمرار هو هل بإمكان السياسيين ان يختاروا لنا احدهم ليكون شبيها لحكيم شاكر  ..؟؟ الذي دخل المعترك الرياضي وقبل التحدي وأؤتمن عليه وعاهد على تلك الامانة الوطنية دون ان يطلب ما يطلبه الاخرون ،  أو ما (كرفه ) مدربون اجانب بالعملة الصعبة ، ولم يقدموا بمستوى ما قدمه هذا الرجل الذي خاض منافساته الشريفة وفق اصدق المعايير الوطنية  بفريق متواضع لا يتمتع شبابه  كما يتمتع سياسيونا  وابناءهم بمتعة الدنيا ومغرياتها من أبهة وترف في كهوف باريس وانفاق لندن ، ضاربين بعرض الحائط ما يعانيه الوطن من مأساة ومعاناة ، ومشاهدات اليومية في الموت البشع الذي يختاره محترفوا الجريمة بهدف ان ينتهي ويزول من الخارطة الجغرافية وطن اسمه العراق ....
لا أبالغ اذا قلت ان وطنية حكيم شاكر توجها منتخبنا الشبابي بأصدق المعاني ، حين كانوا يقاتلون في الملعب لمدة (120) دقيقة متواصلة  في بعض الاحيان دون استسلام للعوامل النفسية والبدنية  الكبيرة ، بل كان اصرار كل لاعب على الفوزيفوق قدراته المعتادة ، باعتبار ان المباريات كلها هي معركته الوطنية ، لابد به ان يكون شجاعته فيها بمستوى محبته للوطن ، وان تكون التضحية  من اجله واحدة من اهم معالم هذه المحبة ...
الأيكفي عشر سنوات من عمر زوال الدكتاتورية في العراق ان ينتفض واحدا من بين الالاف  السياسيين ان يمارس وطنيته على اسس الانتماء دون ان يفضل مذهبه وعرقه على وطنه..؟؟ ومن هو القائل بان المذهبية هي الغاء لروحية الوطن..؟؟ لقد انتقى  حكيم شاكر من كل مدن العراق على اختلاف الدين والعرق والمذهب شابا يجري في عروقه نبض محب وعاشق للوطن وبهما ابلى في الملاعب بلاء حسنا حتى غدى الناس في حيرة من حجم اصراره وغيرته الوطنية ، التي تعدت كل المقاييس خصوصا حين كان يتحدث للإعلام  بلغة الثقة المطلقة بالفوز والاصرار على انتزاعه.....
لذلك فالمطلوب ان نستوعب الدرس الوطني الذي تركوه لنا شبابنا في صنعهم للمعجزة ، حين اثبتوا للحاسدين والحاقدين على وحدتنا بان تعدديتنا الدينية والمذهبية والعرقية تتلاشى امام عزيمتنا الوطنية  ، وهي عنواننا في كل وقت  ، اما شعبنا العراقي بعربه وكورده وتركمانه وكلده واشوره وصابتئه ويزيديه وقفوا  منذ اليوم الاول للبطولة خلف فريقهم الشبابي باعتبارهم ممثلين للرياضة العراقية ،  وفوزهم بأية مرتبة هو اعلاء لاسم العراق  ، فضلا فانهم اثبتوا بكل قوة بطلان ما تروج لها اعداء العراق من تفكك في النسيج الاجتماعي لهذا الوطن ،  وهذا يعني ان العراقيين وان اختلفوا  ، فيوحدهم الاوقات الصعبة بكل ما يملكون من ضمائر حية لأجل رفعة وطنهم وتقدمه ، وان ما يجري على ارضه منذ عشر سنوات قتل وتخريب وتدمير ، سببه ايادي خارجية ترى في استرداد العراق لعافيته انتكاسة لمشاريعهم العدوانية وفشل لمخططاتهم البغيضة....
مبروك للعراق هذه المكانة العالمية التي صاعها الشباب بجهدهم وجهادهم الوطني ، ومبارك وحدتك يا شعب.....