حينما يُسحب الرصاص من الأقلام وتُملأ به المسدسات |
لقد قرأنا الكثير عن الرقابة الأدبية والعلمية والسياسية ونعلم أنها جميعاً متصلة بأجهزة الأمن العربية وما وجود عالم أو أديب فيها إلا نظام شكلي ولا يُعطي لهذا الشخص مسؤولية القرار وهذا هو الواجهة السياسية للحقيقة العلمية المؤسفة والتي تقول بأن هناك أكثر من 70 مليون أُمي في العالم العربي غالبيتهم من النساء . ولو تساءلنا عن سبب هذه الظاهرة وتلك , أهو قلة المدارس والجامعات أو قلة الموارد المخصصة للتعليم , أم الخلل الحاصل بالنظام التعليمي العربي , أو سوء التخطيط الإقتصادي , أقول كل هذه مجتمعة لكن أبرز ما فيها هو الخلل الهرمي , فلقد أُبتلي العالم العربي بالقيادات الفاسدة وهي وإن كانت تُكتشف مبكراً لكنها لا تُعالج إلا بعد أن تستعصي وتنتشر فايروساتها في الجسم العربي ولذا فهي مهما عولجت تبقى بقاياها وآثارها .تنعم الدول العربية بثروات هائلة ومتنوعة لكننا نجد أن أعداد العاطلين في تزايد مستمر ويُتوقع أنه في 2020 سيصل الى 19 مليون عاطل , وهنا نجد طلاباً ولا نجد مدارس , وإن وجدنا مدارس لا نجد كادراً تعليمياً , وإن وجد فهو غير مؤهل , وإن تواجد هذا كله فلن تتواجد المستلزمات الدراسية والتي هي ( القلم والدفتر والكتاب ووسائل الإيضاح ) والتي تُثقل كاهل العائلة العربية الفقيرة حيث ينتشر الفقر في الدول العربية ويصل الى نسبة 36% من سكانها والذين هم تحت خط الفقر ويبلغ نصيب الفرد العربي للعديد من الشرائح الفقيرة 1500 دولار سنوياً من الدخل القومي . وإذا ما قارن الفرد العادي ما بين لقمة العيش والمستلزمات الدراسية فهو سيختار حتماً لقمة العيش ويبقى طلابنا بدون مستلزمات دراسية .لو إطلعنا على التأريخ العلمي والسياسي ( للقلم ) لوجدنا بأن هذا المُنتج الصغير قد أخاف الجبابرة والمتسلطين , لذا فهو وإن تواجد فكثيراً ما يُكسر أو يُسحب منه الرصاص , فيعود خشباً فارغاً لا يخيف أحداً , فكم من صحفي هزيل البُنية هز قلمه الفولاذي أعتى العروش وإستطاع أن يُغضب حكاماً ويُغير قوانين وما أكثرها ظلماً في الدول العربية .إن الفئة المنتفعة في الدول العربية على قلتها هي منتشرة بكثرة , ومنهم من يُكفّر العلماء ومنهم الرافضون للرأي الحر , ومنهم المستطعمون ( للمال الحرام ) , ومنهم ومنهم .ولو تابعنا أجهزة الرقابة العربية لوجدنا في مزابلها نظريات علمية عظيمة , وأدب رائع , وآراء حرة شريفة , وما يخرج الى الأنظار في الصحافة الرسمية إلا الرث والهزيل , أما الصحافة الحرة فكثيراً ما تُشفر أو تُمنع .إن غالبية الشعب العربي يعلم أسباب هذه العملية ويعلم نتائجها ويعاني منها رجل الشارع ورجل المدينة والقرية والمتعلم والأُمي , ألا وهي فتح القنوات ( الغلط ) الباهضة الثمن لتسريب الموارد المالية الهائلة حتى إذا ما نفذت أُعلن التظخم وإنهار ( الدينار والليرة والجنيه ) , وأعتقد أن الهرم العربي يطبق المقولة المقدسة والتي هي ثُلث لنا وثُلث لحمايتنا وللدعاية والباقي الله أعلم به .وقد يقول قائل ما الدليل على ذلك , أقول لمَ يُقتل الأساتذة والأطباء والمهندسين ونحن لا نملك إلا نسبة 6.7 % من الأخصائيين والفنيين من إجمالي القوى العاملة العربية , ولمَ تُهمّش وتُسذّج الأنظمة التعليمية , ولمَ تُطفأ أنوار الشوارع والبيوت والمعامل , إنه الحل الأسهل والذي هو العودة الى ما وراء القرون الوسطى . ولزيادة الدفع الى الوراء أصبح لدينا من يقول بأن الدراسة الجامعية والإختلاط بين الذكور والإناث هو كفر , وإنما يُدرس في الجامعات هو ضلالة , وإن بناء الصروح والأبراج والمعامل هو تدنيس للمقدسات . إن الكون بما فيه لم يبن حتماً بالجهل بل بالعلم وبقوانين علمية لا زال العلم لم يكتشف البعض من أسرارها وما معرفتها إلا نوع من التبجيل لعلوم الإنسانية .أقول إن الأنظمة السياسية تقوم بتدمير النظام العلمي الصحيح والمنفذين لهذا النظام العلمي من أصحاب الرأي الحر والعلماء والذين تجد الكثير منهم في السجون السياسية أو في المقابر الجماعية والفردية وهي ممتلئة بالعلماء والأدباء , وهم إن لم يموتوا بالرصاص فقد ماتوا كمداً وألماً .وتبدأ البداية دائماً حينما يجد الطالب قلمه فارغاً وقد أصبح خشبة مجوفة أو قطعة بلاستك فارغة , حينها يلتفت يميناً ويساراً ولا يجد أمامه إلا معلم مُتعب يجتر ما قاله له الأجداد وبقدرات مهنية متدنية وإلا لمَ إمتلأت البيوت بالمدرسين الخصوصيين أو بالأحرى ( التجار الخصوصيين ) , أقول حينها يجد الطالب نفسه أمام أمرين لا ثالث لهما , أما أن يقبل أو يرفض , ولذا يُفضل أن ينزل الى الشارع ويقول ( لا ) وحينها ايضاً لن يعود قلمه ذا فائدة له وسيُفضل عليه مسدساً محشواً بالرصاص ليخط به كلماته الرافضة , والرافضة للظلم الإجتماعي والسياسي وللجوع والفقر والجهل , وسيبحث عن الكثير من الجمال والرفاهية بين جثث الموتى , لكنه لن يجدهما حتماً هناك .أخيراً أدعو القاريء الكريم أن يفكر معي عن سبب دعوة السكرتير العام للأمم المتحدة للأطراف المتنازعة في سوريا أن تتوقف عن القتال في شهر رمضان ولم نسمع هذا من الأطراف العربية والتي يدعم كل منها أحد الأطراف المتنازعة , ولمَ نسمع من منظمة اليونسكو أصوات الإستهجان والمطالبة بالبحث عن قتلة الطبيبين العراقيين المختصين بأمراض القلب والتحاليل الطبية , ولمَ يصفهم البيان الصادر عن هذه المنظمة بأنهم الثروة الحقيقية للمجتمع العراقي وما يحصل هو هدر لهذه الثروة . أنستخلص من هذا أن المنظمات السياسية والإجتماعية العالمية هي أكثر إنسانية ونبلاً تجاه مشاكل الإنسان العربي , وتجاه وجوده الإنساني والظلم الإجتماعي والثقافي الذي يعانيه . |