بعد اعوام من الربيع العربي أعتقدت الشعوب ان الديمقراطية سفينة للنجاة من الفساد والبطالة والتضخم الأقتصادي والأستبداد والحكم الأزلي , فكر متشدد هيمن على المشهد بنوايا متعطشة للحكم ولا شرعية بدون وجودهم , وإنهم الأسلام الغائب في الدكتاتورية , الفسحة من الحرية إستغلت لنمو حركات دموية وسيطر قادة التكفير على وسائل الأعلام والمؤوسسات المدنية والدينية والجوامع , فكر يدعي محاربة الأفكار الوافدة والخوف على الثقافة العربية والأسلامية , وقسمت المجتمع الى جبهتين متحاربتين , بين الكفر و الايمان , تأخذ الحصانة والشرعية بالقوة والأستبداد ونفي الأخر وتسمية معارضيهم بالمرتدين , حكموا وأبادوا المعارضين وان تخلوا حملوا السلاح وحللوا الأنتحار وأستباحة مؤوسسات الدولة ودفع الشباب للقتال , الحكم تححده صناديق الانتخابات وفي مفهوم حكام العرب الأستيلاء على السلطة وأغتصابها وإرثها ، عززها التاريخ والسياسة ، وتحريف عقول الجماهير او السيطرة عليهم بالقوة . التيارات المنتخبة فضلت الانسحاب قبل انتهاء فتراتها ، حفاظاً على إنجازاتها وحب الجماهير , أو شعوراً بالندم على خطأ في حق شعوبها أو إخفاقها بتعهداتها خلال حملاتها الانتخابية , بينما عززت الزعامات العربية بقائها في السلطة بذرائع الحفاظ على السلم الأهلي وان الحاكم هو ضرورة لا يمكن الخروج عليه وتطور هذا المفهوم لأتهام المعارضين بالكفر والأرتداد , العالم الديموقراطي شهد مواقف تنحي الرئيس أو رئيس وزرائها قبل إكمال فترة ولايته إلتزاماً بالمبادئ والحريات، ولم يسمى إنقلاباً على الشرعية لقناعة الحاكم بأن الشعب مصدر السلطات ،و أنه أخل بالمبادئ والوعود التي قطعها على نفسه, شارل ديغول وبعد مظاهرات مناوئة عام 1968، استجاب وقرر أن يجري استفتاءً حول تطبيق المزيد من اللامركزية في فرنسا, وأستقال بعد أن حققت الموافقة على تطبيق اللامركزية نسبة أقل قليلاً من النسبة التي حددها . الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في 8 أب 1974،لم يكمل ولايته الثانية، وبعد أن كشفت التحقيقات مع 5 من أعضاء لجنة إعادة انتخابه ، ارتكب الأفعال التي يحرمها القانون,و فريقه استخدم أدوات للتجسس على اجتماعات الحزب الديموقراطي داخل مبناه (ووترغايت) في الأنتخابات, استقال قبل أن يوجه الكونغرس اتهاماً رسمياً له، في واقعة تعرف (فضيحة ووترغايت) , وفي بريطانيا ، تقدم رئيس الوزراء والقائد العسكري المخضرم ونستون تشرشل باستقالته للملكة إليزابيث، في 5 نيسان 1955، بعد أن شعر أن تقدمه في السن قد يعوقه عن أداء مهام وظيفته. ورغم حب البريطانيين و ساهم في انتصار بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، حين رأى أنه قد لا يؤدي واجبه تجاه بلاده على النحو الأمثل. وفي عام 2007 استقال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ، بعد أن تراجعت شعبيته عقب الكشف عن أرقام الضحايا البريطانيين في العراق عام 2003، وشعر البرلمان أنه تعمد تضليله وتوريط البلاد في الحرب, ، أما ماليزيا استقال رئيس الوزراء عبد الله بدوي عام 2009 ولم يكمل ولايته، بعد نتائج هزيلة في الانتخابات البرلمانية و الاستياء الشعبي، من جراء الأزمات الاقتصادية والإخفاق الإداري , الرئيس سوهارتو ، بعد شهرين من إعادة انتخابه من قبل البرلمان الإندونيسي في أيار 1998رغم تمكنه الارتقاء بالاقتصاد في البداية , وبعد أزمة اقتصادية حادة تسببت بانهيار العملة الوطنية و فرض التقشف ، خرجت مظاهرات لإسقاطه، وتحولت جاكرتا إلى ساحة احتجاج واسعة، الأمر الذي دفعه للاستقالة . الربيع العربي تمت مصادرة الثورات فيه من قوى لم تتردد من ايضاح تعطشها للحكم وأقصاء الشعوب , ولا تحترم الأعتراضات الجماهيرية متمسكة بما تدعي ( الشرعية ) تستخدم مليشياتها لقمع المعارضين واتهامهم بالردة والكفر ولا تمانع من تكفيرهم , تلك القوى المتسلقة لم تترجم الديمقراطية التي أوصلتها للكرسي ولا تزال تعيش ارث الدكتاتوريات وتعزي فشلها من تراكم أخطاء الماضي ولم تراجع أخطائها , التي لم تحقق من أمال جماهيرها الاّ المزيد من التراجع وسيطرة قواها المتطرفة , ويبدوا أنهم لا يزالون يشعرون من عقدة المدنية ولم يترجموا الديموقراطية .
|