دالية العنب.. عاشت سجينة وماتت حرة |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ افرج عنها من معتقل الفضيلية، خلال الثمانينيات، فلجأت الى هولندا، عبر ايران، وجراء خطأ طبي، ماتت قبل ان تتشبع من الحرية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاضي منير حداد داليا مزبان، فراشة حلوة، خطفتها يد المنون، خلال اجمل لحظات الربيع الثامن عشر من عمرها، الذي استنفدت فترة منه، في معتقل الفضيلية. تعرفت اليها، داخل السجن، رديفة لأمي واخواتي، مطلع الثمانينيات، هي وامها واخواتها الخمس، وانا رديف لأخيها ليث الفيلي النبيل.. كلنا محشورون في علب فولاذية، جراء انتسابنا لحزب الدعوة. افرج عن داليا، من معتقل الفضيلية، خلال الثمانينيات، فلجأت الى هولندا، عبر ايران، وجراء خطأ طبي، ماتت قبل ان تتشبع من الحرية. عينان صافيتان مثل بحر يحلم بزرقة السماء، وطفولة غضة، انتصرت على السجن ببراءتها؛ فلم تلتاث انوثة لم تعشها، وحقوق عاطفية صادرتها السياسة منها، قبل ان تدرك حقها في ان تعيش كأي فتاة في مثل عمرها. مرت، طيفا في ذاكرتي، وانا اتحرر من تبعات الذعر الصدامي الذي ما زالت بقاياه عالقة في وجداني، برغم زوال غمة الطاغية، وصحوة العراق من جثوة كابوسه على الصدور. ماتت داليا في هولندا، وعيناها تنبضان بوميض شوق لأنوثة، لم تستوفها، لم تتمتع بما لها من حقوق على الدنيا، انما انفرطت الى الآخرة، تسكب العبرات... ماتت غريبة، لكن حرة، متخففة من اعباء عراق مشحون بضيم الطاغية المقبور صدام حسين، من دون ان تستشعر دفق الحرية ورفاه التجلي بعيدا عن ثقل الصف الراضخ لاشتراطات الديكتاتور. دفق الامومة، ادى الى ان تموت والدتها على قبرها، بالسكتة القلبية، في هولندا.. غريبتان.. ام وابنتها الشابة جدا، طفلة تستجير بامها؛ فالتحقت بها، الى رحاب ربٍ رحوم يرأف بجمال فتاة تبارك في خلقها، يوم ولدت ويوم اعتقلت ويوم فرت من السجن الى هولندا؛ لتختطفها غلطة طبيب، من الحرية الى القبر، وامها تلتحق بها وجدا، لا يطيق فراقا، لا في المعتقل ولا في القبر. أسأل الله ان يرحم بالاحياء وهم يفارقون من يحبون موتا... داليا مزبان، شقيقة ليث.. الفيلي الذي شغل سنوات اعتقالنا، مطلع الثمانينيات، بشهامته وايثاره الآخرين على نفسه، في ظروف فظيعة، مثل يوم القيامة واقسى.. كل يريد نجاءً بروحه، وليث يعنى بالآخرين غير مبالٍ ببشاعة السجن وقسوته. داليا.. يا اختَ خيرِ اخٍ.. يابنتَ خيرِ ابنٍ، ما كان ابوك امرأ سوء، ولم تكن امك يوما بغيا، طاهرة المحتد، كريمة الموقف والاصل والسلوك، طبت موتا ودارت ايامنا بفراقك شوقا واجلالا واحتراما لبراءة طفولتك التي داهمها طبيب ساه، بالموت. استجارت داليا بإنوثتها الغضة، حين اخطا الطبيب الهولندي؛ فأجارها الموت، خلودا في الجنة، بحق (ظليمتها) حية في المعتقل وميتة عند اللجوء الى الحرية.. ومن الحرية الى الجنة، بينما نحن هنا في جحيم الحياة قاعدون. |