رسالة مفتوحة الى محافظ بغداد

 

أخي وزميلي السيد علي التميمي المحترم
تحية طيبة، وتهنئة من القلب، ولو متأخرة، لتسنمك منصب محافظ مدينتنا بغداد التي ابتليت منذ عدة عقود بولاة غرباء عنها كارهين لجمالها ومدنيتها قاموا بتشويه هويتها والعبث بمعالمها الجميلة وروحها الفتية. وأقول بصراحة انني استبشرت خيراً  بوجودك في هذا المنصب، لما عرفته عنك خلال سنوات الزمالة في مجلس النواب من اعتدال وشجاعة في آن واحد. ولم أستغرب من تصريحك الأول في سعيك لتمدين المجتمع الإسلامي بدلاً عن أسلمة المجتمع المدني، مؤكداً ان بغداد ليست قندهار، وانك ستمد يديك لمثقفي بغداد ومبدعيها.
زميلي العزيز، هذه بغداد التي تتشابك فيها الدرابين المتربة لتربط بين أحياء جمعت الأديان والمذاهب والمعتقدات وضمت الأسر العريقة والفقيرة جنباً الى جنب وتمازجت فيها الأفكار والعلوم والثقافة والشعر والطرب والموشحات والمكتبات وتعايشت معها أضرحة الجوادين وأبو حنيفة وشيخ عبدالقادر وعمر السهروردي والكنائس والمعابد عبر عشرات القرون من الزمان، تأبى اليوم الا أن تكون حرة طليقة، يختار أبناؤها طريقهم بلا وصاية دينية أو فكرية.
ببالغ الحزن قرأت خبراً عن تشكيلك (فوج طوارئ) يقوم بإغلاق التجمعات الشبابية من مقاهي وأماكن اللهو، بذريعة الحفاظ على ديننا الحنيف الذي لا إكراه فيه. أسألك بمرارة أخت تكاد تخيب آمالها، أليست هذه هي ثقافة قندهار؟ وهل لجأ رسولنا الكريم يوماً الى أفواج طوارئ والشرطة الاتحادية وقوات سوات لنشر رسالته السماوية، حاشاه، أم انه دعا الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة؟
زميلي العزيز،
بغداد التي نشترك في عشقها تتعرض لأبشع هجمة منذ هولاكو وتتقطع أوصالها في جدران كونكريتية تفصل بين الأديان والمذاهب، وتتشوه معالمها في إهمال متعمد لكل شواهد تراثها وتأريخها العريق، ويذهب أبناؤها في تفجيرات إجرامية شبه يومية في المقاهي والملاعب والأسواق والشوارع، ويصوم أهلها شهر رمضان بلا كهرباء أو ماء صالح للشرب وفي حرارة تجاوزت الخمسين درجة مئوية. وينقض المتطرفون على الصاغة المندائيين تارة وبائعي الخمر المسيحيين واليزيديين تارة أخرى، بكواتم الصوت الجبانة، ثم يتباهون بفعلتهم الشنيعة على مواقع الفيس بوك وهم مطمئنو البال فلا حساب على أفعالهم المشينة.
وفوق كل قهر وظيم البغداديين، كحلت أنت عينها بالانضمام الى جماعة متطرفة تطلق على نفسها (شيوخ عشائر الكرادة الشرقية.. أي والنعم!!) ونحن لم نسمع يوماً عن تلك العشائر، ولا صغراً بها، لتغلقوا سوية أماكن لهو أخوتنا وأبنائنا وتزيدوا جحيم هذه المدينة على أبنائها.
أخي الكريم،
واجبك كمحافظ لبغداد صيانة التعددية الفكرية لهذه المدينة العريقة، وليس فرض الدين على أهلها المسلمين أصلاً.
واجبك تزويد المدينة بالحدائق العامة والمكتبات والملاعب ودور السينما ومعارض الفنون، وليس غلق أماكن اللهو التي يرتادها شبابنا المتعبين من انعدام الأمن وضحالة الخدمات وفرص العمل.
واجبك إعادة الهيبة لشارع الرشيد والمباني والأحياء التراثية، ولا تشغل نفسك في أمور لا تأتي عليك وعلينا الا بلعنات أهالي المدينة، وأنت تؤمن ان دعاء المظلوم مستجاب.
واجبك تشكيل أفواج طوارئ لمكافحة الإرهاب والمليشيات والتطرف، وليس إغلاق المقاهي التي يلتقي فيها أبناؤنا بعد الإفطار.
واجبك حماية الأماكن العامة ومحاربة الفساد الإداري والمالي، وليس تخويف أهالي المدينة بالعسس المرتشين.
واجبك فتح أبوابك على المثقفين والمبدعين وزيارة المقاهي بدلاً من الإنصات للمتأسلمين والمتاجرين بديننا الحنيف بالمزايدات الفارغة التي تبعد الناس عن الدين، وتفتح لهم أبواب التزلف والنفاق.
أخي الكريم، تجربة شعب مصر ليست بعيدة عنا. لقد صبر الناس على حماقات السياسيين (وأنا منهم) صبراً جميلاً، ويوم يخرجون للشوارع للمطالبة بحقهم في العيش الكريم، لن تنفعنا أفواج الطوارئ ولا قوات سوات سيئة الصيت.
أخي السيد علي التميمي، هذه بغدادنا أمانة في يديك، وأنت قادر على أن تدخل تأريخ المدينة من أوسع أبوابه. افتح قلبك على نشيجها، واستمع بروحك الى سمفونيتها الرائعة. اتخذ الخطوة الشجاعة في حل (فوج الطوارئ) فوراً وبلا تأخير، وابدأ عملك محافظاً لعاصمة العواصم ولا تجعل منها وكراً للغربان والخفافيش.
زميلتك المخلصة،
ميسون الدملوجي