خصائص جوهرية للتدريسي المقتدر

 

حين كنت طالبة شابة متحمسة في الجامعة كنت أظن أن المدرس الجامعي المقتدر ذاك الذي يضفي جوا من المرح والمسرة داخل قاعة الدرس ولايعطي ألا الشيء القليل من الواجبات البيتية. لكن بعد خبرة طويلة في التدريس الجامعي وتقييم المئات من المدرسين تغيرت وجهة نظري تماما ، فكوني أعملا الآن أستاذة جامعية يعطيني الفرصة لأن أشارك ماتعلمته مع المدرسين الحاليين ومن سوف يدرس مستقبلا ، كما أن الموضوع مثار نقاشات حية مع طلبة الدراسات العليا من خلال التركيز على السؤال الاتي: كيف يتميز التدريسي في مهنته؟
لاشك أن التعليم عمل مضن وأن بعض المدرسين الجامعيين لايحسّنون حالهم طيلة فترة خدمتهم الجامعية فهم يؤدون الحد الأدنى من واجبهم المطلوب وربما يزيدون عليه قليلا. أما المدرس الجامعي المقتدر فيعمل بلا كلل أو ملل لخلق بيئة تشجع التحدي والأهتمام بالطلبة حيث أن التعليم المتميز يهتم كثيرا بمواقفنا تجاه طلبتنا والمواضيع التي ندرّسها وكذلك عملنا أجمالا أكثر من التركيز على أيصال المعرفة والتدريب على المهارات فحسب. في أدناه عرض لأهم الصفات التي يتحلى بها المدرس الجامعي الناجح وهي ليست شاملة بالطبع لكنها تعكس أهم الخصائص الجوهرية بصرف النظرعن عمر المتعلم:
1. المدرس المقتدر يحترم طلبته. تحظى أفكار كل طالب وآراءه بأهتمام المدرس الجامعي الناجح وتقييمه فالطلبة داخل الصف يشعرون بالأمان في التعبير عن مشاعرهم ويتعلمون أحترام الآخرين والأصغاء اليهم من خلال سعي المدرس لخلق جو تعليمي مشجع للطلبة.
2. المدرس الجامعي المقتدريزرع في الطلبة روح الجماعة والأنتماء لقاعة الدرس. أن وجود الأحترام المتبادل بين المدرس وطلبته داخل قاعة الدرس يوفر مناخا مناسبا وتعاونيا ، ففي هذا المجتمع الصغير (الصف الدراسي) هناك قوانين ينبغي التقيد بها ومهام لابد من أداءها ، ولابد أن يكون كل طالب دون أستثناء على بيّنة من أنه يمثل جزءا أساسيا ضمن المجموعة. والمدرس الجامعي الناجح في هذا الخصوص يزرع القناعة لدى الطلبة بقدرتهم على الأعتماد بعضهم على البعض الآخر بدلا من الأتكال على المدرس وحده.
3. المدرس المقتدر طيب القلب مجامل ومتمحس ويهتم بطلبته. مثل هذا المدرس الجامعي يمكن لأي طالب أو منتسب داخل الحرم الجامعي أن يتصل به ويتواصل معه حيث يشعر الطلبة أن بمقدورهم الذهاب أليه متى واجهوا مشكلة أو مصاعب أو ربما حتى مشاركته في قصة مضحكة! ومثل هؤلاء المدرسين المتميزين يمتلكون مهارة أصغاء لافتة كما أنهم يعطون من وقتهم الثمين جدا لمن يحتاجهم من الطلبة. ولو أن مشكلة عائلية ما لألمت بهذا المدرس المقتدر فأنه لن يجعل الطلبة يشعرون بها.
4. المدرس الجامعي المقتدر يضع آمالا كبيرة لطلبته جميعا. يدرك المدرس الناجح أن التطلعات والآمال التي يضعها للطلبة تؤثر كثيرا على أنجازاتهم ، كما أنه يعرف أن الطلبة على العموم يتعاطون مع مدرسيهم بالقدر الذي يتفاعل فيه المدرسون معهم.
5. المدرس الجامعي المقتدر يعشق التعلم. يلهم المدرس الجامعي الناجح طلبته لحب المعرفة والتعلم من خلال حبهم للمادة الدراسية فهو يعمل على الدوام على تجديد نفسه بصفته أنسانا محترفا فيعمل بذلك على تزويد الطلبة بأجود مايتمكن من تعليم ، كما أنه لايتردد من تعلم أستراتيجيات تعليمية جديدة أو يستأنس بتقنيات جديدة داخل قاعة الدرس وان يتحلى بالروح الموضوعية التي تدفعه لأن يشارك هذه الأفكار والأستراتيجيات مع زملائه المدرسين الآخرين.
6. المدرس المقتدر قائد ماهر. على خلاف القادة الأداريين يركز المدرسون الجامعيون المؤثرون على أتخاذ القرارات بالأشتراك مع الآخرين وكذلك تشجيع العمل الجماعي فضلا عن بناء علاقات مجتمعية. كما يعمد المدرس الناجح الى نقل مثل هذا الشعور بالقيادة الى طلبته من خلال أعطاء الفرصة لكل طالب من طلبته لتولي دور قيادي في موقف ما.
7. المدرس الجامعي المقتدر أنسان مرن. أنه يميل الى تعديل منهجه التدريسي حيثما شعر أن الدرس لايجري وفق التخطيط المطلوب. وهو يقوم بتقييم تدريساته من خلال تفاعله مع الطلبة ويسعى لأيجاد طرق ووسائل جديدة لطرح مادته ليضمن أن كل طالب من طلبته يدرك المفاهيم الأساسية.
8. المدرس المقتدر يتعاون مع زملاءه وفق أسس ثابتة. لابد أن ينظر المدرس الجامعي الناجح الى قضية التعاون والتنسيق مع زملاءه التدريسيين الآخرين باعتبار ذلك أداة للتعلم ممن يبزوه خبرة وان لايعتبر ذلك ضعفا من جانبه لكونه يطلب أقتراحات أو مساعدة. وهو يستخدم النقد البناء والنصائح لأنها من صفات المفكر التربوي أيضا.
9. المدرس المقتدر يواظب على المهنية في سائر المجالات. مثل هذا التوجه يشمل المظهر الشخصي والمهارات التنظيمية والأستعداد اليومي لأداء العمل وغير ذلك. ولابد أن تكون مهارات التواصل التي يتحلى بها المدرس الجامعي الناجح بارزة سواء تعلق الأمر بالتحدث مع الأدارة أو مع أحد الطلبة أو أحد الزملاء لأن الأحترام الذي يحظى به المدرس الجامعي الناجح بسبب أسلوبه المهني يجب أن يكون جليا لالبس فيه.
وفيما يتصف التدريس بكونه موهبة طبيعية يتحلى بها بعض التدريسيين فأن على التدريسيين الآخرين أن يعملوا بجد ومثابرة حتى يصلوا الى منزلة المدرس المتمكن ، وفي كلتا الحالتين تكون الفائدة المتحققة لكل من المدرس وطلبته كبيرة جدا. وما عليك ألا أن تتخيل الطلبة وهم يفكرون بك حين يتذكرون ذك المدرس المقتدر الذي درّسهم يوما ما في الكلية.

بقلم: د. ماريا أورلاندو* Dr. Maria Orlando

ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – جامعة البصرة – كلية الآداب