طغيان المادة و الغلبة والروحية الربحية على نفسية المجتمع ــــ مهدي قاسم بعد الطفرة الكبيرة التي حدثت في دخل شرائح اجتماعية واسعة في العراق ـــ طبعا كمقارنة بدخل الفرد أثناء الحصار و قبل السقوط ــــ و انفتاح إمكانيات واسعة للخوض في مجالات الاستثمار الاستهلاكي و التجارة ولا سيما في مجال بيع السلع والبضائع اليومية و الضرورية ذات الاستهلاك اليومي الملح ، وكذلك المتاجرة بقطع الأراضي في مجال العقارات الرائجة و النشطة جدا في هذه الأيام و الحاجة الماسة إلى ذلك بسبب الانفجار السكاني الكبير ، زائدا شراء سيارات بأقساط ومن ثم تحويلها إلى سيارة تكسي بعد نهاية العمل أو الوظيفة و ذلك للحصول على دخل إضافي يومي ، ينمّي الدخل الشهري و يجعله جزيلا وفيرا ، فكل ذلك قد خلق طفرة و وفرة ملموستين في دخل الفرد العراقي ( طبعا ليس في دخل كل الفرد العراقي نقول ذلك لكي لا نُتهم بالترويج للمالكي مثلما حدث سابقا على ضوء كتابة مقالة من هذا القبيل ) و إنما حدثت هذه الطفرة في دخل شرائح و فئات اجتماعية معينة و خليطة ولكنها باتت تتسع و تكبر يوما بعد يوم ، بحكم العوامل الأنفة الذكر .. و إلى جانب هذه الشرائح برزت شريحة طفيلية خاصة بحد ذاتها ، بحيث أصبحت في أقصر و أسرع وقت في منتهى الثراء و الاغتناء عن طريق السرقة واللصوصية و بواسطة النهب المشرعن والمقنن للمال العام ، وهي تتكون ــ عادة ـــ من بعض ساسة وزعماء أحزاب و نواب ووزراء وكلاء وزراء و مدراء بنوك و مصارف ومن بعض ضباط كبار من قادة عسكريين و شرطة و غيرهم و من لف لفهم !!.. غير إن الملفت للنظر هو إن هذه الطفرة السريعة في دخل الفرد العراقي ــ من الفئات و الشرائح الأنفة الذكر ـــ ومع تسارع وتائر نموها بدأت تؤثر بشكل سلبي ـــ و هنا لا نقصد التعميم ـــ على نفوس البعض من هؤلاء ــ طبعا ليس كلهم ـــ خالقة ضربا من ضروب الغرور و التكبر و الأنفة و التي تعبر عن نفسها من خلال التعامل اليومي ، ليس في نطاق العلاقات الاجتماعية العامة ، فحسب و إنما حتى ضمن البيئة المحيطة ذاتها من أقرباء و معارف ـــ وفقا لما سمعنا من مصادر عديدة على شكل شكاوى و عتاب و استغراب من هذه الناحية .. فغالبا ما يفتخر المرء الجاهل بكثرة ماله و يصبح متعاليا و متكبرا على غيره ، إذا لم يصاحب ثرائه المادي ثراء روحي مماثل و زاخر بالثقافة والمعارف .. ولكن إذا حاولنا تقصي الأسباب و الدوافع الكامنة وراء ذلك بدقة أكثر ، فلابد أن نجد بأن الطفرة الملحوظة في دخل الفرد العراقي ـــ وبشكل تصاعدي ـــ لم تصاحبه طفرة ثقافية عامة و حضارية خاصة ، و ذلك بسبب عداء الأحزاب الإسلامية السافر ضد الثقافة و الفن ـــ اللذين يعدان من العوامل المهمة و المساعِدة للتمدن و التطور الحضاري ــ بل رافقته عملية نكوص ثقافي شديد و فقر فني رهيب ، من خلال محاربة الثقافة والفن و تعطيل حركات و عوامل ازدهارها و إهمال البيوت و الأندية الثقافة ، و بذل جهود حثيثة قدر الإمكان لعزل المجتمع عن ما تبقى من هذه الحركات و رموزها الثقافية و الفنية بحيث أخذت رؤية أو مشهد قراءة كتاب غير ديني في مكان عام يثير الاستغراب و الظنون والريبة في آن واحد !!.. لهذا فإذا كان المرء يسّر و يفرح للنمو و الطفرة الملحوظة في دخل الفرد العراقي ، متمنيا نموه المتزايد و المتصاعد ليشمل جميع أفراد المجتمع العراقي الذي عانى كثيرا و طويلا من شتى أنواع العوز و الحرمان ، فأن ما يحزنه هو ذلك التخلف الحضاري والمتجسد في السلوك اليومي ، و كذلك هيمنة الروحية الربحية و الشطارة و الغلبة و اقتناص الفرص بغية الإثراء السريع و بأي شكل من الأشكال .. وهو أمر في الوقت الذي يضخّم الجيوب فأنه في الوقت نفسه يغلّظ القلوب و يفخّم النفوس الجوفاء تكبرا و استعلاء و أنفة و تعجرفا في التعامل مع الغير .. كما أن هذا الثراء لا يساهم في نمو و ازدهار الاقتصاد الوطني ــ إلا في نطاق ضيق ـــ بقدر ما ينتهي أما تراكما سلبيا ، أو استهلاكا تبذيريا للتباهي و الافتخار فحسب !!.. •بخصوص محاربة أحزاب الإسلام السياسي و خاصة منها الميليشاوية للثقافة و الفنون فقد اضطر بعض الفنانين و المطربين إلى اعتزال الفن الغنائي تحت ضغط و تهديد مليشيات دينية ــ دنيوية ، و التعبير عن أحاسيسهم و مشاعرهم و تجسيد و تكريس إبداعاتهم في حقول فنية أخرى ، كالمطرب حسين نعمة ـــ على سبيل المثال و ليس الحصرـــ و الذي وجد في الرسم و الفن التشكيلي ضالته الوحيدة ، بعيدا عن تهديدات و تدخلات هذه المليشيات الدينية. •فقد بات المجتمع العراقي معزولا بل و محروما من الأنشطة الثقافية والفنية إلا ما ندر و يُسر من جهود فردية أو جماعية محدودة التأثير ..
|