ماء مالح، كهرباء 3×3، نفوس خربة

 

الماء المالح الذي تدفق ثالثة ورابعة في شط العرب والكهرباء السيئة اختباران قاتلان أمام حكومة البصرة المحلية، وما يلوح في الأفق من آراء وأفعال انها لن تستطيع حل واحدة منها مهما بالغت في عبقريتها، إذ من المستحيل عليها معالجة تدفق اللسان الملحي داخل مياه شط العرب والتي وصلت إلى العشار ودخلت صنابير المياه في البيوت منذ قرابة أسبوع. كذلك حظها في معالجة الكهرباء لايزيد عن عدم مقدرتها على امتلاك عصا موسى لتسحر الناس، وتقدم لهم الكهرباء بواقع 3×3 ساعات قطع وتجهيز مثلما وعدت بذلك.هي التي وعدت بان تكون في رمضان 2×2.

ومن يتطلع في وجوه علّية القوم من الذين صعدوا مجالس محافظاتنا لايصيبه إلا اليأس، أتذكر نصف أنف إحدى عضوات مجلس محافظة لا أتذكرها الآن، الظاهر الوحيد من نقابها، وهي ترأس لجنة ما، أتذكر احدهم وهو يرتدي لأول مرة بدلة لم يراع طول أكمامها، ثم انظر في يده البيضاء من غير فعل وهي تزدان بأربع فصوص زرقاء وحمراء وخضراء من العقيق اليماني، لعله يعول عليه كثيراً في تحسن أداء المجلس وأتذكر الذين سبقوهم إلى القاعة الكبيرة فلا أرى سوى يأسي يتقدمني وأنا اعالج حبل مولدة الكهرباء الذي انقطع بسلك آخر، وأنا أنتظر سائق التنكر الذي سيجلب لي الماء الحلو من محطة التحلية، وانظر بعين خسرانة إلى الدنانير الخضر والحمر وهي تطلع من جيبي للماء والكاز والسكّر والرز والسمن والمنظفات وووو... بعد أن قطعت الحكومة نهائياً حصتي التموينية منذ ثلاث سنوات.

ولأن الحياة بلا كهرباء لا حياة فقد تذكرت أن محطة كهرباء جدانسك العظيمة في روسيا الباردة والمتجمدة اكثر اشهر السنة التي أمر ببنائها البلاشفة بعد سقوط قصر الشتاء ومقتل آخر القياصرة في الثورة الروسية عام 1917 كانت اللبنة الأولى في كل نصر صناعي وعسكري واقتصادي تحقق للبلاشفة (الكفّار) بعد ذلك، لكن غير المعلوم جداً هو سبب عجز الحكومة العراقية (المسلمة) ومنذ 10 سنوات عن بنائها لمحطة عملاقة تنهي أزمة الحياة التي لم تعد تطاق في بلاد تتجاوز درجات الحرارة فيها الـ50 مئوي، هذه الحكومة ذات الـميزانية البالغة 118 مليار دولار والتي اهدرت اكثر من 70 مليار دولار في قطاع الكهرباء وحده، لماذا تعجز عن تأمين كهرباء لـ35 مليون نسمة فيما تؤمن دول أخرى أقل منها ميزانية لأكثر من 300 مليون نسمة من سكانها؟

قد لاتكون قضية الكهرباء والماء المعضلة الوحيدة التي تواجه الحكومة العراقية والحكومات المحلية، ولنفترض أنها امّنت حاجة البلاد من الماء والكهرباء، ترى هل تستطيع تأمين شبكة صرف صحي لعراق يغرق كل سنة بأمطاره الشحيحة؟ وأين هي من تأمين سلة الطعام من الرز والقمح والخضار والفاكهة إذا كانت تستورد باقة الكرفس من الكويت؟ وماذا بشأن الخطط الكبرى لمعالجة أزمة السكن والصحة والتعليم والطرق والجسور والسدود والمشاريع الاروائية وسواها؟ هل سمعنا عن أسرة انتقلت لمسكن حكومي جديد منذ العام 2003؟ هل بنينا مستشفى كبيراً؟

أمس، احتجزت شرطة مرور البصرة دراجة ابن صديق لي بدعوى انها بدون أرقام، وكان عليه أن يتوسل وأتوسل معه، بل وأتسول معرفة هذا الضابط وذاك الشرطي كيما يفرجوا عنها، لكنهم أصروا على حجزها في مخزن الدائرة بالحيانية، حيث تروى القصص والقصص عن طريقة الخزن وضياع اجزاء من الدراجات والسيارات ومن ثم طريقة المعاملة الحسنة ولا مجال لنفي أو تأكيد الأمانة هناك، امانة رجل الأمن العراقي. لكني تذكرت آلاف السيارات التي تجوب شوارع العراق من كركوك إلى البصرة، من التي لا تحمل أرقاماً ولا يحمل اصحابها رخص سياقة. تذكرت التي انفجرت منها والتي لم تنفجر بعد.

يقول أخي الذي يعاني من تمزق وسوفان في ذراعه بان إدارة مستشفى البصرة العام (أنشئ عام 1918) حددت له يوم 3 نيسان القادم 2014 موعداً لتصوير ذراعه بجهاز الإيكو ـ كان ذلك قبل شهرين ـ يعني عليه أن ينتظر سنة كاملة ليأخذ الصورة هذه، ذلك لأن المستشفى العريق هذا لا يملك جهازاً آخر، فيما يملكه أكثر من طبيب خاص في البصرة، اعتقد ان معالجة قضية الماء المالح والكهرباء ممكنة الآن لكن معالجة الخراب الكبير داخل النفس العراقية غير ممكن بعد 50 سنة.