خوفك من السياسي عندما يصبح عاطلاً عن العمل، فإنه سيتحول بقدرة قادر الى منظرّ استراتيجي.
هذا بالضبط ما يحاول ان يقوم به بعض الفاشلين من الساسة متوهمين انهم يحسنون صنعاً.
فتراهم اربعا وعشرين ساعة متواجدين على موقع فيسبوك لإسداء النصائح وكتابة المذكرات.
لا ادري ما علاقة قصص قصيرة يكتبها هذا السياسي او ذاك عن طفولته، ما علاقتها بعمله كقيادي ينبغي ان يقوم بدوره في خدمة الناس!
ولا ادري كيف يجد هذا "المنظّر" وقتاً كافياً لكتابة يومياته اولاً بأول والأسراع بإنزالها على صفحته فرحاً مستبشراً وكأنه اكتشف الماء في زحل.
يا ترى من قال لهذا "المستظرف" بأن ما يفعله يصب في مصلحة الوطن والمواطن؟!
علماً بأن المواطن المسكين يهرب من التلفاز كي لا يرى الساسة بعدما سئم من وجوههم.
فخذ مثلاً السيد ظافر العاني الذي يحرص على التواصل مع "شعبه" من خلال صفحته على موقع فيسبوك، تراه يكتب ذكرياته "الحزينة" غير ناسٍ اظهار نفسه بمظهر المواطن الكادح الذي عانى التقشف في حياته الماضية.
وكأنه يريد ايصال فكرة تقول بأن لا مجال للسلطة إلا لمن عانى الضيم في هذا البلد المسكين، علماً بأن الجميع يعرف من يكون ظافر العاني وكيف كان.
يسوّق السيد العاني نفسه رجلاً بسيطاً كواحد من ابناء الشعب ساخط على الحكومة مطالب بحقوق الفقراء والمساكين من خلال بوستات فيها ما لا يمرّ على ذي فطنة.
فتراه يكتب قبل يومين عن صوته الجميل في تلاوة القرآن وكيف يجلس لساعات وهو يرتل ما تيسر من كتاب الله تلبية لطلب اولاده "المؤمنين"، ثم ينتهي السيد العاني الى خلاصة مهمة ربما اكتشفها مؤخراً في نفسه وهي انه يؤمن بحديث لا إفراط ولا تفريط وانه "يحب الأعتدال " على حد قوله.
تصوروا ان السيد ظافر العاني الذي وقف امام المصلين في احدى جمع بغداد وصاح بأعلى صوته " عليكم بهم" تبين انه يحب الأعتدال والوسطية.
بالطبع انا أوكل لكم هنا مهمة تعويد الضمائر في خطاب العاني التحريضي "عليكم بهم" فانتم اعرف مني على من تعود الميمان في الجملة اعلاه، وانتم اعرف مني ايضا بشكل الحرب الأهلية التي كاد يتسبب بها العاني هذا وهو يحرض ابناء البلد الواحد بعضهم على بعض.
ما يثير الأستغراب فعلاً اولئك المصفقون للعاني وغير العاني من الساسة الثقلاء، كيف انطلت عليهم كلاوات تالي وكت؟!
وكيف فاتهم ان العاني هذا يعيش في المنطقة الخضراء وينعم بمميزات القادة والسياسيين دون وجه حق؟!
وكيف يصدق الناس هذه الخزعبلات من شخص بكى بالأمس على جلّادهم وأنكر جرائمه بكل صلافةٍ امام الجميع؟!
ياترى لماذا نصدق هؤلاء وكل خرابنا منهم؟
نعم كل خرابنا وخيباتنا من طبقة سياسية متنافرة يكره بعضها بعضاً.
مجموعة من الطائفيين جمعهم حب المال والسلطة ركبوا على ظهور البسطاء ونالوا ما يريدون بإسم الدين والطائفة، فكانت النتيجة برلماناً طائفياً سيئاً انتج حكومة أسوأ.
انا لا استنكر هنا على السياسي حريته في الأشتراك بمواقع التواصل الأجتماعي، ولا استنكر على الآخرين متابعة مايكتب، ولكن ألم يكن الأجدر بهؤلاء الساسة ان يجعلوا من صفحاتهم مكاتب الكترونية لمتابعة قضايا الناس ومشاكلهم والسعي في حلها مستغلين بذلك قربهم من موقع القرار؟!
أليس هذا افضل من حدوتات وحكايا لا تضر ولا تنفع، ومن يوميات عن الأكل والشرب لا يهتم لها الكثير؟!
ألا ينبغي لسياسيّ فيسبوك وتويتر ان يواسوا شعبهم وقوافل الموت باتت طقساً يومياً بدلاً من الأستظراف والتحشيش؟!
ام أنهم لا يجيدون شيئاً سوى ان يكونوا ساسة ثقلاء؟!