قوانين الانتخابات

 

أثبتت التجارب الديمقراطية الناجحة أن لكل دورة انتخابية ميزتها الخاصة، وتفاعلاتها التي تخلق عملية سياسية جديدة وغير مسبوقة، ومصداق هذا القول يصحّ على ما ينتظر من الانتخابات العامة لمجلس النواب، وما نراه هذه الأيام من حراك سياسي وتواصل بين جميع الأطراف، للخروج بقانون انتخابات يتناسب والمرحلة التي وصل إليها البلد، فالجدل يدور وبشكل واسع حول القوائم فيما لو تكون مفتوحة أو مغلقة، وهل ستكون ضمن دوائر متعددة أم دائرة واحدة، وبحدود الانسجام مع المبادئ الدستورية التي تفرض وجود قانون ينظم العملية الانتخابية؟.
في الحياة الديمقراطية تقاس الأيام بدورات انتخابية تقدم قوماً وتؤخر آخرين، في سياق تنافس له أثره الأكيد، المرصود بمطالب شعبية معلنة، تعتمد على مدى تلبية الأحزاب لها، فكل حزب يعيش صراعه الانتخابي قبل وبعد التصويت، ولعل من الفريد أن يكون البرلمان الحالي بكل مكوناته، طرفاً في تحديد آليات العمل الديمقراطي القادم، فمسؤولية تعديل قانون الانتخابات ستكون من مهام البرلمان الحالي، وهو ما يشكّل الملامح الخاصة بالهوية الديمقراطية المحلية، والتي تواجه نقاشات حادة بين توافق و تعارض. وبالطبع دون هذا التضاد والنقد لا يمكن تقويم وتشذيب تلك الملامح، وإخراجها إلى التطبيق في إطار الصلاح القانوني، لكن المأخذ الأهم على تلك الإجراءات هو ضيق الوقت، وانحسار المهلة في تسارع زمني يقترب من الموعد الرسمي لإجراء الانتخابات، ولعلّ من الأفضل لو إن هذا القانون قد تم الاتفاق على تعديله وإصداره، في وقت أسبق من الدورة الحالية، حيث الاستتباب البرلماني والتقارب في الرغبات والآراء، خاصة مع ارتفاع الأصوات الشعبية في بعض المحافظات وخروج تظاهرات لناشطين وممثلي منظمات مجتمع مدني، تطالب بتعدد الدوائر الانتخابية بدلاً من الدائرة الواحدة.
التظاهرات سبقت انتخابات مجالس المحافظات، وسعت لإيصال أصوات المعترضين إلى البرلمان والحكومة المركزية، كدلالة وعي شعبي عام بأهمية إصلاح وترتيب الآليات الأنجح للعملية الديمقراطية وفق الإرادة الشعبية، فالتجربة الانتخابية السابقة واجهت اعتراضات إدارية شخّصت الخلل بتوزيع مقاعد تعويضية بين القوائم الفائزة، خلافاً للأعراف الديمقراطية؛ بمنح بعض تلك المقاعد لأفضل الخاسرين وأقربهم فرصة للفوز، إذ مثلتهم أصوات كثيرة وأوصلتهم إلى مشارف استحقاق يمكن أن يمنحهم -على قلّتهم- رمز معارضة برلمانية ربما تتسع دائرتها مع الأيام.
إن من واجب مجلس النواب النظر إلى قانون الانتخابات كأهم تشريع سيصادق عليه في دورته الحالية، وفاءً منه لناخبين يريدون ضمان حرية أوسع لخياراتهم القادمة بانتخاب ممثليهم، إضافة إلى ضرورة إيجاد تشريع جديد يضمن الشفافية في الحملات الانتخابية، استجابة لرغبات شعبية وبرلمانية تطالب بتشديد الرقابة على الدعايات الانتخابية، وكشف مصادر التمويل، دعما لتكافؤ الفرص، وحجباً للفساد المالي، أو التمويل بطرق غير مرخّصة.