ثقافة لبيك.. لبيك.. يا طرطور |
كلمة طرطور لها معنى ووقع خاص باللهجة العامية : وتعني الرجل التافه والجاهل والغبي , والضعيف الذي لاقيمة له , ومسلوب الارادة والاخلاق والمبادئ , ولا يرتكز على اتجاهات او تصورات معينة , سوى ثقافة ( لبيك. لبيك , نحن عبيد بين يديك ) وقد تصاعدت بشكل محموم في العراق . منذ انقلاب البعث عام 1968 , لتنزع وتسلب حق المواطن في حريته في حق التعبير والرأي , وتحرمه من حق الاختيار السياسي والثقافي , بما يتلائم مع اسلوب تفكيره وعقله , وتوجهات متطلبات النضال عن حقوق الشعب في الحرية والديموقراطية , وانضمام الى قوى سياسية اثبتت جدارتها وعطاءها في نضالات الشعب , وهذا مايتعارض ويتقاطع , مع توجهات الثقافية للبعث المرتكزة على عبادة الفرد , وتعظيم القائد وحزبه الواحد . لذا عملت اجهزة البعث على عملية غسل الادمغة والعقول وترويضهم واخضاعهم بالقوة والاكراه لثقافة ( بالروح بالدم نفديك يا . . , ) اي على المواطن ان ينسى الواقع العيني والملموس , ويرتدي ثوب الزيف , ويبدل ثوب الولاء للوطن والاخلاص له , الى حصر هذا الولاء والاخلاص , الى قائد الضرورة والحزب القائد , والويل كل الويل من يعارض او يخالف او يمانع ( كل مواطن بعثي , حتى وان لم ينتمي ) لان اقوال القائد بمثابة كتاب منزل , ولا مجال للمناقشة وغير قابل للشك والطعن . وقد استخدم النظام الوسائل التنفيذية لتطبيق هذه الثقافة , عبر اسلوب الترهيب والترغيب. اي جعل المواطن يردد كالببغاء , نصوص جاهزة بقوالب محددة ومعينة . يقول الكاتب والروائي البريطاني جورج اورويل ( ان التعود او الادمان على سلوك او مفهوم , يصيب صاحبه بتلف عضوي ومعنوي , ويفسد شخصيته وذوقه وطريقة تفكيره ) . اي انها نهج الاستحواذ على تفكير وعقل المواطن , وبالتالي يؤدي به الى التلف والتهميش والاقصاء , لخلية التفكير, اي نزع المبادئ والاخلاق , والاستعانة بها بالانحطاط الاخلاقي , واستخدام سياسة تخدير الوعي السياسي والثقافي , مع ممارسة اسلوب البطش والتنكيل , وهذا ماسعت وعملت وروضت وربت عليه الحقبة الكتاتورية . بحصر دور المواطن بالتعظيم والتبجيل للقائد الاوحد , وبهذا الشكل انتجت مواطنين , مسلوبي الارادة والحرية والاختيار . رغم ان هناك طائفة كبيرة من افراد الشعب , شذت عن هذه القاعدة, واستهجنت ورفضت هذه الثقافة الهجينة , وتحملت الاهوال والمحن , وبعضها اختارت الغربة والتشرد والهجرة خارج الوطن ومشاقها وصعابها , لكن فئة اخرى استغلتها من اجل جلب منافع ذاتية وشخصية , بشكل انتهازي بتقمص دور المنافق والمتملق , باظهار روح التعظيم والتكبير والتبجيل للقائد الفذ . وهذه الفئة لا تملك من الاخلاق والمبادئ شيئا , فقد انتهزت فرصة الفراغ السياسي لدى الاحزاب الاسلامية , لتحشر نفسها , لانها تملك قابلية عالية في التلوين السياسي , ونزع جلدها الف مرة حسب المناخ السياسي , من اجل منافعها الشخصية , وصار لها قوة وباع وقامة ومقام وجاه , وصارت تتحكم في مصير المال والعباد , وسجلت العراق ضمن ممتلكاتها الشخصية , وتتحكم في مفاتيح السلطة . . اما الفئة التي تحملت العبء الاكبر والاثقل من شرور الدكتاتورية , فقد خرجت بخفي حنين , وانطفأت الامال العريضة والطموحات الكبيرة , وظلت تلوكها الصدمة الكبيرة , برفضها ووضعها في دائرة النسيان والاهمال . كأن التغيير حدث نحو الاسوأ , لانها لم تهضم ولم تروض وتدرب نفسها , ولم تألف الثقافة الهجينة ( لبيك . لبيك يا طرطور , نحن عبيد بين يديك ) ضمن الغوغاء والصخب والتخبط السياسي . هذه مصيبة عراق اليوم من سياسي الصدفة. |