أن يكون لك رأي في شأن ما، فهذا أمر طيب يشجعك عليه الآخرون. وأن يكون لك جمهور يؤيد ما ترى، فذلك أطيب لأنه ينضج رأيك ويقويه.
ولكن الأطيب من ذلك كله، أن تحترم جمهورك ومريديك، وألاّ تتقافز على عقولهم كقردٍ في سيرك.
كتبت في يومٍ مستغرباً سلوكاً لا يخلو من تناقض، ولكن ما أثار استغرابي أكثر هو رد أحدهم، كان يلقب نفسه بالباحث الأكاديمي.
كتب لي يومها ان انتقادك لهذا الرأي، دليل على ان صاحبه صار مقروءاً ومنتشراً، يا سلام سلّم.
يعني أن الرأي ليس محط اهتمام هذا الباحث "النحرير" ولا لتبعاته شأن عنده، فالمهم أن صاحبه صار مشهوراً، وبات قاب قوسين أو أدنى من "العالمية".
لا أدري كيف يفكر التائهون وسط هذا السيل الجارف من الرؤى الفارغة إذا كان "الأكاديميون" هذا سلوكهم؟! ولا أدري من أي أكاديمية تخرج هذا الباحث "المعدَّل" وفي أي معهد درس؟
هل يعقل أن في العالم أكاديمية علمية تعلم طلابها أن صاحب الرأي أهم من رأيه؟! وهل يعقل أن هنالك مركزا بحثيا يدأب باحثوه على التنقيب عما ينقذ سقطات أصحاب الرأي بهذا الشكل؟!
إذا وجدتم هكذا مراكز علمية، فبلغوا العلم عني السلام.
الرأي يا سيدي عندما ينشر لا يعد ملك صاحبه، بل ينبغي ألاّ ينظر إلى صاحبه، ولا إلى حيثياته، فالمهم هو الرأي نفسه، صحيح أم سقيم.. أما أن يطرح الرأي وفق مبدأ خالف تعرف، فذلك لعمري صار أمراً مكشوفاً لا ينطلي على كثير.
غير أن الطامة الكبرى هي في القطيع، فترى أن بعضهم يتحرك للتجييش نحو قضية ما يصادف أنها مطلب جماهيري فتجتمع الناس حوله.
بعدها يبدأ النقد على أصوله فيتكاثر المؤيدون، ثم تأتي حملات التسقيط للآخر ووصف أتباعه بالقطيع، فيزداد الحماس عند الجمهور ويتعالى التصفيق، لاسيما وأنها قضايا تبدو واضحة وجلية للوهلة الأولى.
بيد أن هذا المتحاذق سرعان ما يبدل رأيه مية وثمانين درجة عندما تتعارض النتائج مع مصلحته الشخصية أو مصلحة الحزب الداعم أو الميليشيا الساندة.
فيقفز كالقرد على رأيه ويبدأ بتغيير الدفة موسوساً لنفسه "جمهوري سيقتنع بما أصنع ومن يعترض سأرمي عليه تهمة المحاباة للسلطة" ايبااااخ.
هو لا يدري أن وجوده في حيز المعارضة بحد ذاته مكسب للسلطة، وان آراءه "الدرنفيسية" باتت تسهم في تثبيت حكم "السلطان".
فماذا يريد المسؤول عندنا غير معارضة مرتبكة متخبطة لا تعي ما تفعل؟! وماذا يريد الحاكمون أكثر من قردةٍ قافزين على المواقف، ونهّازي فرص يقفون مع من يدفع أكثر و"يحمي" أكثر؟!
نعم هذا ما يفعله معارضو "تالي وكت" قفز على المواقف، واختراع مشاريع ورؤى لها أول ليس لها آخر، ناهيك عن محاباة سفّاكي الدماء وتلميع وجوههم القبيحة، مع غض الطرف عمداً عن حيتان تقرض بأرض العراق طولاً بلا رادع.
هذا فعلهم، وهذا ما اكتشفه الجمهور لاحقاً فانسحب، ولكن ماذا نقول لمن يريد السير دوماً على وقع خطى القطيع؟! انه قطيع آخر.