وعاظ السلاطين وجنة الفاسدين |
بسبب شهر رمضان هناك اعداد هائلة من الوعاظ والواعظات والخطباء والخطيبات في القنوات الفضائية ، يطلقون كميات هائلة من الكلام في العقائد والاخلاق والاحكام الشرعية والعلاقات الاجتماعية وغيرها ، ولكن لم نلاحظ أحدا منهم تطرق الى آفة الفساد السياسي والمالي والاداري في البلد . صحيح ان هناك مرحلتين في البلاغ الاسلامي بلاغ اولي تعليمي موجه الى الشباب والجيل الجديد لبناء ثقافتهم وتعليمهم ، وبلاغ موجه لعامة الناس هدفه الاصلاح ، ورمضان شهر العبادة والتوبة والاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيكون للواعظ جدول اولويات يلبي الحاجات الثقافية لجمهوره ، وابرز مثال لذلك موضوع الفساد الذي يهدد البلاد والعباد ، كل مواطن عراقي مهما كانت ثقافته ومهنته وعمره يعلم ان الأزمة الأكبر ، وموضوع الساعة ، واساس البلاء في هذا البلد هو الفساد المالي والاداري ، لكن الغريب في الأمر ان هذا الموضوع غاب تماما عن محاضرات شهر رمضان ، لو وضعت الرذائل في صندوق مقفل فان مفتاحه الفساد السياسي القائم في بلدنا الآن فهو اصل كل رذيلة ، لا بأس ان يصنف الواعظون الى وعاظ سلاطين ووعاظ أمة فهو تصنيف قديم ، وعاظ السلاطين وظيفتهم منح الشرعية الدينية للحكام ومدحهم وتمجيدهم ، وقد تطور فن الوعظ السلطاني فاصبح المدح المباشر للحكام غير مؤثر والاسلوب الجديد هو السكوت عن اخطاءهم وتجاهل ظلمهم ، يقابله الهجوم على المواطن وصب الغضب والتعنيف على رأسه ، واعتباره اساس كل بلاء ، فهو غير متدين ومهمل لصلاته ، ومستخف بالاحكام الشرعية ، وجهنم تنتظره ، والجنة اغلقت ابوابها عنه ، وان القتل الارهابي العشوائي اليومي وانقطاع الكهرباء وارتفاع الاسعار وغياب الحصة التموينية كلها عقوبات الهية يستحقها المواطن! وهنا يستنتج المشاهد الكريم ان توفر الكهرباء والأمن ولذيذ الاطعمة والتبريد الهائل للمسؤولين في مكاتبهم وبيوتهم هي نعم الهية استحقوها لانهم صالحون ابرار (بيض الوجوه كريمة احسابهم - شم الانوف من الطراز الاول) ، سؤال : هل ان سكوت جميع الواعظين عن ظاهرة الفساد في البلد يعني انهم اصبحوا جميعا وعاظ سلاطين ؟ ولكن اين الفئة الثانية اي وعاظ الأمة وورثة الانبياء ؟ هناك فهم خاطئ في اوساط الواعظين لدور عالم الدين او الخطيب ، فهو دور ثوري لا يصلح كمهنة لكسب العيش وتحصيل الامتيازات والتقلب في الملذات ، انه دور اصلاحي قيادي لمواجهة كل انواع الفساد والانحراف ، وصاحبه لا يعبأ أوقع على الموت ام وقع الموت عليه ، هذه هي مدرسة ابي ذر الغفاري الذي واجه الفساد بصوت جهوري ويد خالية فانتهى به الحال الى صحراء الربذة لكنه اسس مدرسة لا تنقرض وصوتا خالدا مازال يقض مضاجع الفاسدين ، ولولاه لما عرفنا الفرق بين وعاظ الأمة ووعاظ السلاطين .
|