قصتي مع الهجرة عام 1982 (الحلقة الرابعة)

 

 

 

 

 

 

بدات حياتي الحركية في دمشق وفي مسار مختلف تماما عن مسيرة حياتي السابقة!.
وللقارىء الكريم ان يتصور مساحة الفارق بين التجربتين والحالين..حالي العراقي واسرتي وبيتي والخلفية التجارية والصناعية والجاه والمال واسم (الحاج صولاغ الزبيدي) في السوق التجارية المحلية وبين حالتي الجهادية في سوريا!.
كان بيتي الاول قبل بيت اسرتي هو (بيت المجاهدين) او ماعرف في حينه ببيت الشهيد ابي بلال وابوبلال هو قائد عملية وزارة التخطيط بداية الثمانينات.. تلك العملية التي الغت مؤتمر قمة عدم الانحياز حيث كانت مقررة في بغداد في العام 1981 على مااعتقد وكان من المفترض ان يتزعم صدام حسين تلك القمة.
كان في حسابات المجاهدين ان تلك العملية المستهدف فيها صدام شخصيا ولكنهم لم بفلحوا في الانقضاض عليه بسبب شدة الاجراءات الامنية التي حالت دون وصولهم الى مقر المجلس الوطني وهو مكان تواجد الطاغية لذلك جرت عملية التخطيط لكي تفشل انعقاد القمة وهوالتفجير الذي شكل رسالة عميقة للمجاهدين ابلغ من عملية اغتيال الطاغية.
دخلت بيت المجاهدين العراقيين وانا مفعم باريحية العملية الجهادية تلك وكنت استمع الى تفاصيل حياة الشهيد القائد ابي بلال لكن انجاز العملية بالغاء القمة كان يستولي على مشاعري اكثر مماكان يستولي على مانشيتات الصحف العربية والاجنبية في تلك المرحلة!.
بعد عملية ابي بلال التفت العالم لاول مرة الى وجود حركة مجاهدية قادارة على الوصول الى قلب النظام والغاء مؤتمر كبير كمؤتمر القمة هذا!.
اجلس كل ليلة مع ثلة خيرة من مجاهدي الصف الاول في الحركة وهم يحدثونني عن ابي بلال وحياته الجهادية وكيف كان يتدرب على التفجيرات وصناعة الاسلحة في القامشلي السورية وكيف كان يفتدي نفسه قبل غيره لكي ينال رضا الله وسعادة الدارين والشهادة فوق تراب الخالدين!.
حدثني مجاهد عن ابي بلال وهو يجري تجربة في التفجير عن بعد حيث لم تنفجر وقتها المتفجرة فذهب اليها بنفسه ليعالجها فانفجرت عليه لكن ابا بلال الذي فقد نصف جسده في العين والقدم واليد لم ينقطع عن زيارة السيدة زينب (عليها السلام) قاطعا مسافة 12 كيلومترا مشيا على قدم واحدة ليصل الى عقيلة الهاشميين بشكل يومي والاهم انه ذهب بنصفه الحي الاخر الى العراق ليستشهد هناك!.
في بيت المجاهدين كنا نربي ونتربى على ثقافة الوطن والالتصاق بهمومه والعمل على خدمة الاسلام ومتابعة اخبار الشعب العراقي والتفكير بالعمليات النوعية التي تصيب مقتلا في النظام وتؤثر على شخصيته الامنية وادائه السياسي والارهابي ضد شعبنا وتؤشر علينا كحركة اسلامية تعمل على اسقاط النظام واقامة حكم عادل ديموقراطي وكنا خلية نحل نتوادد كما لو كنا في التجربة الاسلامية الاولى وكان الواحد منا يفتدي اخاه ولايفكر بنفسه وبعاقبة الامور الدنيوية!.
في هذه الاثناء من عام 1983 اوكلت لي مهمة متابعة الاشراف على اعلام (حركة المجاهدين العراقيين) في شقة بمنطقة البرامكة حيث يتواجد في هذا المكان عدد من المجاهدين المتخصصين ايامذاك بالاعلام التعبوي وطباعة المنشورات وكان عدد من المكائن الطباعية القديمة موجودا في المكتب ويومئذ ايضا كنا نصدر (مجلة الاضواء) وهي مجلة حركية محدودة التداول وقد اصبحت لاحقا رئيس تحريرها واكتب افتتاحيتها وموضوعها الخاص بالتفسير القراني!.
كنا نتحسس حرارة العمل الاسلامي وطاقته الفكرية والحركية الناصعة ولم نكن نفكر الا في الاهداف العليا للاسلام ولم ننشغل بالتفاصيل والامتيازات وهذا لي وهذا لك ولم نكن نعترف او نعرف شيئا اسمه (المحاصصة).
المجلة كانت تتضمن موادها متابعة اخبار المجاهدين العراقيين في الداخل وجرائم النظام ضد الشعب العراقي والمعاناة الكبيرة التي كانت تكابدها الحركة الاسلامية على اختلاف فصائلها السياسية والميدانية في الاهوار والعاصمة اضافة الى مقالات فكرية ذات توجه اسلامي عام ولم نكن نركز ايامئذ على توجه فكري سياسي خاص!.
في كانون اول عام 1982 تم اعلان تاسيس(المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق) وهو اول صيغة للتحالف السياسي والعسكري بين مختلف الفصائل الاسلامية العراقية العربية والكوردية والتركمانية الشيعية والسنية وكان للاعلان انذاك صدى كبير واثر مهم في نفوسنا التي كانت تتطلع الى شيء من هذا الذي تم اعلانه!.
كنت اكتب في مجلة الاضواء واتابع نشاط الحركة واحزاب المعارضة العراقية في الساحة السورية والايرانية والواقعية في الداخل ومع اعلان تشكيل المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق صرت اتطلع الى صيغة ميدانية وسياسية جامعة قادرة على توحيد الجهود العراقية في مصب واحد ولم نكن نعرف او نتطلع او نرغب او نشتغل على صيغة حزبية.
اجتمعنا بعد الاعلان في خلية القيادة واتفقنا على ان نقيم احتفالا مهيبا بهذه المناسبة وكان لنا ذلك وفي المقابل شاركنا بوفد قيادي نوعي الاخوة في حزب الدعوة الاسلامية احتفالهم بالمناسبة ذاتها..لكنني اتذكر ان حركة المجاهدين العراقيين احتفلت بالتاسيس كيوم احتفالها بتاسيس نفسها لان المجلس الاعلى في قناعتنا كان يمثل وحدتنا الاسلامية على اختلاف مشاربنا ولم نكن نتطلع الى مشروع خاص او امتياز حزبي في ظل مشروع عام يختصر كل المكونات ويترجم افكارها في سياق عمل وطني شامل!.
ان من بين اهم الاشياء التي بقيت بذاكرتي وانا ارصد محطة جهادية مضى على تاسيسها اكثر من 31 عاما ان مؤسسي الحركة وهم السيد عبد العزيز الحكيم والسيد محمد الحيدري والشيخ محمد تقي المولى تحولوا الى الصف الاول في ادارة المجلس الاعلى او مايسمى (الشورى المركزية) الى جانب قيادات الاحزاب الاسلامية الاخرى( عز الدين سليم وابراهيم الجعفري والشيح محسن الحسيني والعلامة السيد سامي البدري والشيخ حسن فرج الله واية الله السيد محمود الهاشمي والسيد حسين الصدر والشيخ محمد باقر الناصري واية الله السيد كاظم الحائري والسيد علي الحائري واخرين) وفي تلك الفترة انتقلت الى عملي الجديد كعضو مكتب سياسي الى مسؤولية الاشراف على ادارة مكتب العلاقات العامة مع الحكومة السورية واللبنانية والحركات الوطنية العراقية واللبنانية والعربية في سوريا ولبنان وادارة عمل المجاهدين في سوريا.
في العام 1985 انتقلت بالمسؤولية التنظيمية والسياسية الى ادارة عمل المجاهدين في سوريا وبمغادرة مسؤولها الاول المباشر السيد محمد الحيدري الى طهران بدات مرحلة جديدة من عملي النضالي في اطار الحركة مثلما بدات الحركة مرحلة جهادية نوعية في حياتها تخللها توسيع في نطاق العمليات النوعية لتشمل رموز النظام في الخارج بعد ان عملت الحركة على استهداف رموز النظام سنوات طويلة في الداخل خصوصا بعد ان داهمنا النظام باغتيال واحد من اهم رجال الحركة الاسلامية في تاريخ العراق الحديث واقرب انجال الامام السيد محسن الحكيم الى نفسه سماحة العلامة السيد مهدي الحكيم عام 1986 في الخرطوم والشهيد السهيل في الامارات العربية.