بهجة الفاسدين بسكوت المنكوبين

 

الفساد حريق هائل يلتهم المواطن المستضعف ، هو الضحية الاولى والأخيرة ، الغريب في هذه الضحية انها لا تعترض ولا تصرخ ولا تشكو ، بعض الناس اعتاد على قبول الفساد والتعايش معه وتطبيعه فهو يائس من جدوى الاعتراض ، وبعضهم لا يدري انه ضحية للفساد ! ويعتقد ان فساد الحكام وفقر المحكومين أمر طبيعي وان الحياة يجب ان تكون هكذا ! وبعضهم يعرف ان الفساد آفة تلتهمه لكنه يفضل ان يشارك قدر الامكان في مسيرة الفساد حتى ينال حصته بدل الاعتراض ، عندما يغيب المواطن الضحية عن معركة مواجهة الفساد فلا يمكن لأي جهة ان تنوب عنه ، بعضهم يعتقد خطأ ان وسائل الاعلام يمكن ان تحارب الفساد ، بلد فيه حوالي 40 قناة فضائية ، ومثلها من اذاعات الـfm واكثر من 100 صحيفة ومئات المواقع الالكترونية ، لكنها لم تدخل معركة اعلامية حقيقية ضد الفساد ، والسبب واضح وهو ان اغلب وسائل الاعلام يملكها ويمولها اشخاص مشتركون في السلطة ، لذا فمعالجتها معالجة انتقائية ، تتجاهل الأزمة الكبرى وهي الفساد الشامل وتهتم باعراض الأزمة وآثارها كالارهاب والفقر والبطالة وازمة الكهرباء وفشل الحصة التموينية وغيرها ، مثلهم كمثل الطبيب الذي يهتم بمعالجة الاعراض ويهمل المرض الاصلي المسبب لها ، بعض وسائل الاعلام تذكر أزمات البلد لاسباب تتعلق بالصراع على السلطة وليس لاجل الشعب ، بعضهم يستعرض أزمة الكهرباء انتقاما من وزير الكهرباء وكتلته ، وآخر يذكر فشل نظام الحصة التموينية انتقاما من وزير التجارة وكتلته ، فاذا تصالح الطرفان اختفت المشكلة من الاعلام ! وسيلة الاعلام التي يملكها وزير ما تصبح وظيفتها تلميع وزارته الفاشلة الفاسدة ، لذا يجب على الجمهور ان يغسل يديه من أغلب وسائل الاعلام الوطنية ، هذه مشكلة عالمية ، كثير من الدول هجرت شعوبها وسائل الاعلام التقليدية وأخذت تصنع اعلامها الجماهيري الشارعي ، وهو اعلام تطوعي وسريع وجريء وموضوعي ، واهم وسائله مواقع التواصل الاجتماعي التي احدثت ثورة في صناعة الرأي العام والتوعية والاقناع والحشد وتوحيد الشارع تجاه الازمات ، فهي تقدم الخبر والمعلومات والتحليل ، وتثير حوارا متواصلا بين المشتركين وتصنع أمة افتراضية ذات قرار ، هذا الاعلام مازال متخلفا في العراق لتخلف المواطن سياسيا ، فهناك مشاركون في مواقع التواصل (فيسبوك) يعيشون خارج الزمان والمكان ولا يحسون بالأزمة وهم ضحاياها ! حواراتهم وتعليقاتهم في واذ آخر تدور حول الطرائف والتحشيش والمجاملات والحب والكوارث والدين بالفهم الكلاسيكي ، متى يتطورون ثقافيا ؟ متى يشعرون بالمسؤولية الاجتماعية ؟ متى يشتركون في مخطط تواصلي لمواجهة الفساد ؟ لا شك ان البداية هي الوعي ، ثم الحوار ، ثم الخروج بفهم مشترك ، ثم الحشد السلمي لمواجهة الأزمة ، عندها تظهر قوة مليونية فتصبح وسائل الاعلام مرغمة على الاشتراك فيها ايجابيا .