ذكي ولمّاح وخفيف الظل والدم والروح ذلك العراقي الذي بادر، في لحظة شعور ثقيل الوطأة بالكرب مما حلّ ببلاده، برفع احدى نقطتي قاف القانون ليعطينا وصفاً لما آلت اليه الدولة في هذه البلاد. فـ "دولة القانون" التي وعدنا بها حزب الدعوة الاسلامية الحاكم وزعيمه صارت عن حق دولة الفافون. هي دولة بلا قانون .. دستورها متجاوزٌ على مبادئه وأحكامه من سلطاتها الثلاث جميعها من دون استثناء.. هي دولة خفيفة الوزن كالفافون (الالمنيوم) موضوعة في مهب الريح، كل شيء فيها مُستباح، أمنها وحدودها وسيادتها ومالها العام وحقوق مواطنيها العامة والخاصة، وحتى دماؤهم وارواحهم وممتلكاتهم. لكن دولتنا تردت الآن الى مستوى أدنى بكثير .. انها في حال أسوأ وأتعس من حال دولة الفافون التي قامت في فترة الولاية الاولى لحزب الدعوة الاسلامية الحاكم .. انها الآن دولة تنك. والتنك (القصدير) هو مادة البناء في هوامش المدن الكبرى في بلدان العالم الثالث، الأحياء والضواحي التي يعيش فيها المهمشون من الفقراء والمحرومين والبؤساء. نحن الآن ، بفضل دولة الفافون، دولة تعيش مقصيّة عند هامش العالم.. اننا بين الثلاثة الأوائل من الدول الأكثر فساداً ادارياً ومالياً الى جانب الصومال وافغانستان، وعاصمتنا هي الأقذر بين العواصم، والحياة فيها هي الأسوأ على الإطلاق. دولة جدرانها من التنك، يتحرك فيها الارهابيون والخارجون على القانون بأيسر مما يتحرك فريق كرة قدم في الملعب. والمسلسل اليومي للتفجيرات والهجمات في الشمال والجنوب والوسط والشرق والغرب،واجتياح سجني أبو غريب والتاجي منذ يومين، دليل على ان لدولة الارهاب في بلادنا الغلبة والسيطرة على دولتنا التي يتبدى لنا الآن انها دولة تنك. دولتنا يستخف بها وبقوانينها حتى الموكول اليهم تشريع القانون.. امس الأول تفرجنا على مشهد من داخل ما يُفترض انه بيت النخبة السياسية في دولتنا .. بيت ممثلي الشعب. رأينا أحد الأعضاء، هو النائب عن دولة القانون محمود الحسن، يتصرف كما لو كان من سكان مدن التنك الجهلة.. يصرخ ويرفع يديه ويتحدى، وهو القانوني والقاضي، قرار مؤسسته (مجلس النواب) المصوت عليه بالأغلبية، مقدماً مثلاً وانموذجاً يشجّع على الخروج على القانون.. ورأينا عضواً آخر، محازباً وقريباً له، هو رئيس كتلة دولة القانون الشيخ خالد العطية، وهو يأمر أعضاء كتلته بالانصراف من جلسة المجلس بطريقة مهينة .. كان يشير اليهم باحدى يديه بحركة تُشبه تماماً الحركة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان عندما أعلن أمام جمع من أنصاره اثناء الاحتجاجات الجماهيرية في ساحة تقسيم وحديقة غازي، ان المحتجين اذا لم ينسحبوا فان قوات الأمن ستتقوم بذلك، وأدى حركة معناها ان قوات الأمن ستكنسهم كالقمامة! أحد رواد فيسبوك علّق على مشهد أمس الاول البرلماني بانه بدا له كما لو كان الأمر يجري في مدرسة ابتدائية .. اعتقد انه أخطأ في هذا، ففي مدرسة الجوادية الابتدائية (المختلطة) التي أمضيت فيها ست سنوات لم يحدث أبدا أن أمرنا أحد المعلمين بأن نغادر الصف أو المدرسة أو ساحتها بالطريقة التي أمر بها الشيخ العطية زملاءه.. كان معلمونا يقولون لنا بكل احترام وحب: يلله اولادي تفضلوا اطلعوا من الصف او المدرسة او الساحة. انها دولتنا التي انحدرت أوضاعها من مستوى الفافون الى مستوى التنك.
|