استيراد الهندية وقمع العراقية..

 

الرحمة على روح عالم الاجتماع العراقي الفذ (علي الوردي) , الذي استطاع تعريض الضوء على علة مجتمعه , وتشخيص المرض الذي اصاب الشخصية العراقية , والتصق بها , وجعلها تراوح داخل بقع الاقوال , لاتعرف الاستقرار والثبات , انه مرض (الازدواجية) , التناقض بين الظاهر والباطن , بين القول والفعل , بين التفكير والسلوك , وكما يقول المرحوم (احدنا جون ستيوارث في العلن وحجي عليوي في السر) , فهذه الحالة المرضية تتجلى في اغلب ممارسات الفرد العراقي اليومية , ويمكن بسهولة رصدها , لانها ملازمة لسلوكه سواء في البيت او العمل او التفاعلات الاجتماعية مع الاقارب والاصدقاء , اضافة الى انسحابها على جميع شرائح المجتمع من اطباء ومحامين وصحفيين وعمال وفلاحين , لكن المصيبة عندما تصيب هذه الحالة السياسي , باعتباره صانع القرار والمتصدي لتحديات الناس . كثيرة هي اليوم مظاهر وممارسات ازدواجية السياسيين والادلة عديدة , لكن بتقديري من اشد دلائل الازدواجية ايلاما , هي الخطوة الحكومية الاخير القاضية باستقدام ممرضات من الهند بحجة نقص الملاكات التمريضية في المستشفيات وتحديدا في المحافظات , وبالتزامن مع هذه القرار الذي طبق بالفعل , شنت حملة سياسية امنية شعواء على النساء العاملات في المقاهي , وقد تعرض بعضهن الى الاعتداء , حتى وصل الامر احيانا الى التصفية الجسدية . وبحسب علمي ان كل النسوة العاملات - نعم كل ولا اقول الغالبية - هن من اسر فقيرة ممن فقدن المعيل في احداث العنف اليومية , او مطلقات , او ارامل , او مجبرات على هذا العمل , وغالبيتهن لايحملن شهادات دراسية ولايجدن مهنة معينة , اما الرعاية الاجتماعية او(الاهانة الاجتماعية) فهي تمنح رواتب للفئات المعدمة , لاتسد مصاريف اسبوع واحد , لابن موظفة بتلك الدائرة , فأين غيرة الغيورين مقابل وضع العراقية هذا , اين الشهامة العربية من ملفات الفساد المتفشية داخل دائرة (الرعاية) , التي انتزعت اللقمة من افواه المحرومات والمحرومين , لتضعها في افواه الانتهازيين والطامعين , هل المرؤة تدعو الى قتل امرأة ؟ كل ما تبغيه الحصول على رغيف خبز يبقيها على قيد حياة ساد فيها انصاف الرجال , واستأثر بمواردها الانذال , اين الرجولة من السائلات والمحرومات اللاتي يفترشن الطرقات للشحذ والاستجداء . هذه الاحوال لم تعد تهز المشاعر الرجولية لدى السياسيين والمنافقين ممن نصبوا انفسهم حماة على الشرف والعفة , بقدر ما يثيرهم عمل المراة في الاندية والمقاهي , فعقلياتهم تفضل الشحذ والاستجداء على السعي والعمل , وهنا اتساءل من كلف هؤلاء بالتدخل باختيارات الاخرين , في بلد يفترض ان يكون دستوره مدني وكفل حرية اختيار العمل لمواطنيه . اليس من الاولى بالحكومة ان تنظم دورات في التمريض لأولاء النسوة ومن ثم توظيفهن في المشافي , بدلا من استقدام الهنديات , اللاتي سيواجهن معرقلات في اللغة والتواصل مع المرضى , لكن ربما ثمة استفادة من هذه الصفقة التي قد تظهر خفاياها فيما بعد , مثلما بانت في مثيلاتها من صفقات السلاح والبطاقة التمونية ... فاليوم الهندية تعمل بمشافينا براتب شهري مجزي , والعراقية تحترق في اتون العوز والحرمان , علما اني لا اعارض اي فرد في الكرة الارضية ان ياتي للعمل في العراق , لكن بعدما يتوفر لاهل الدار العمل اللائق والعيش الرغيد , كما الحال في باقي دول المعمورة , بيد ان هذا التخبط في الفعل الادارة والتخطيط , واحد من افرازات داء الازدواجية , المستفحل في شخصياتنا ونفوسنا .