نوّاب "الثرثرة" في خدمة الإرهاب

 

 

 

 

 

 

دخلت صناعة الكذب سلاحاً فتاكاً في المشهد السياسي الراهن، وصارت بعض ضمائر من يعتاشون على السياسة لا تجد غضاضة في التعايش مع الخديعة، إنتاجاً واستهلاكاً وتسويقاً..إن كثيرين ممن ارتدوا مسوح الحكمة في الأشهر الماضية، نراهم اليوم يستخفون بالعقول ويستهينون بحياة الناس ومصائرهم. 
فبعد عملية تواطؤ مفضوحة بين أجهزة حكومية وجماعات إرهابية سهّلت وتسهّل عملية فرار العديد من السجناء تحت أنظار وأسماع مسؤولين كبار، نجد من يخرج علينا ليصب شتائمه على الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، لأنها استنكرت "صولة الكرادة"، ولأن البعض كتب ضد سياسيين أثبتوا فشلهم في إدارة البلاد. 
اليوم حين يخرج علينا رئيس لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية ليقول،إن جريمة اقتحام سجن أبو غريب والتاجي يقف وراءها عدد من النواب ووسائل الإعلام المدافعة عن حقوق الإنسان.. فحتما يقدم لنا نوعاً جديداً من الأخبار الطريفة والمسلية، وإن كان مغلفاً بكلمات عن الصمود وتحدي الإرهاب. 
لا أريد أن أدخل في جدال مع السيد الشلاه، ولكن أن يقول نائب مقرَّب من رئيس مجلس الوزراء إن "السجون أصبحت مكاناً للقاء قادة تنظيم القاعدة ومركزاً لتنفيذ مخططاتهم" فهذا يعني أن الشلاه يعتقد أن ما يقوله من كلام سيأخذه الناس على محمل الجد. 
وأحسب أن ما قاله الشلاه لا يختلف في شيء عمّا يقوله أشقاؤه من المسؤولين، فهي مجرد جمل مزوّقة ومرتبة تضاف إلى أرشيف كوميديا الحكومة، ذلك أن فقرات العرض الذي قدمه لنا السيد الشلاه أمس ربما يكون موجهاً لجمهور من جزر الواق واق.. فالسيد النائب يقول: إن سبب المأساة التي حدثت في السجون تقف وراءها " جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، التي تفوقت على حرس السجون.. ونسي السيد النائب أن حكومته أنفقت 90 مليار دولار من أموال هذا الشعب المغلوب على أمره في تدريب وتسليح قواتنا الأمنية التي وجدناها تحفر الخنادق أمام أربيل والأنبار، وينشغل قادتها الأمنيون بإطلاق تصريحات كوميدية تريد ان تقنع البسطاء بان المعركة ليست مع الإرهاب وإنما مع نشطاء مدنيين يرفضون التدجين ويطالبون بإقامة دولة العدالة الاجتماعية.
أعتقد أن تصريح السيد الشلاه يعد مرحلة متقدمة للغاية، وغير مسبوقة من التعري والانكشاف المجاني أمام الإرهابيين، لأنه ببساطة يعلن ويؤكد أن الملف الأمني بيد القاعدة وليس بيد قواتنا "الباسلة" التي يريد لها البعض ان تخوض معارك المصير مع أهالي الكرادة، وقبل ان نقبل بنظرية السيد رئيس لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية التي تطلب منا ان نمثل على أنفسنا وعلى العالم، ونقطب جبيننا مثله، إمعانا في إظهار الجدية، بينما نحن في أعماقنا نهرِّج، ونضحك حتى نموت على أنفسنا من الضحك، لأن كل شيء أصبح محكوما بـ "الثرثرة".
لا أجد تفسيرا واحدا، إلا أن ما يجري عبث، يختلف كثيرا عن عبث تصريحات رئيس مجلس الوزراء الذي ادار ظهره أمس الأول لفاجعة "ابو غريب" ليلهي الناس بحديث عن المياه واليد الحكومية التي حققت الأمن والبناء والاستقرار!! لكن العبث يصبح أكثر مرارة حين نقرأ بيانات وزارة الداخلية التي تؤكد فيها أن الخروق في السجون بسيطة ولا تشكل خطراً على الأمن، وأن الوضع مسيطر عليه. 
السيد الشلاه، إن تكرار عمليات الهروب المنظمة صار يثير الارتياب، ويضع مئات من علامات الاستفهام حول المسألة، إذا كانت الأجهزة الأمنية عاجزة عن ردع إرهابي داخل المعتقل، فكيف يمكن لهذه الأجهزة أن توفر الأمن للناس في الشوارع؟!
عندما يهرب مئات السجناء، فالمعنى أن سطوة الأجهزة الأمنية تتلاشى، وبالتالي علينا أن نسأل: ما نوعية الاحاديث التي تدور بين نوري المالكي والقيادات الأمنية عندما يجلسون في غرفة مغلقة وأمامهم التقارير التي تتحدث عن مسلسلات الهروب الكبيرة؟
ماذا تنتظر الناس من دولة لا تبرع إلا في تضخيم رموز الحكم.. في نفختهم الكاذبة.. هذه دولة ماتت بشيخوختها، وأصغر "ثرثار" فيها ميت، وكل ما فيها لن يقدم لنا سوى الموت، هذه هي الخلاصة أيها السيد النائب. 
التغيير قام في العراق من أجل بناء دولة جديدة، إلا ان القائمين على الحكم اليوم لا يعرفون إلا هذه الدولة التي انتهت صلاحيتها.. يتعلقون بها، ويتصورون أنهم يستطيعون بخفة أن ينقلوا المفتاح من " القائد الضرورة " إلى " الحاج أبو إسراء " و يتخيلون أن الشعب مجرد جمهور ينتظر " ثرثرات " نوابه الساذجة، لينام بعدها مطمئنا راضيا بالمقسوم.
ليس أمام العراقيين إلا بناء دولة جديدة.. يعيشون في ظلها، أو يعلقون آمالهم على دولة ميتة يعيشون معها في مدافن بشرية. 
إما أن نصنع دولة جديدة تعبر بنا من مقبرة الماضي التي يريد لنا الشلاه العيش فيها، إلى بر الحياة.. وإما سندفن مع هذه الدولة الميتة إلى الأبد.. لا حل وسطاً.. حكومة المالكي أكلتها "الارضة"، ولم تعد صالحة للاستعمال الآمن.