لفت أتتباهي موضوع حول تاريخ البغاء في العراق وبعد استرسالي في قرأته استوقفني هذا الحدث : في عام 1938 عندما فاض نهر دجلة وكسرت سدة ناظم باشا من ناحية الوزيرية وراحت المياه تتدفق في الشوارع ، والمعتاد في مثل هذه الحالات أن تقوم الشرطة بتجنيد الناس فيما يسمى بعمل السخرة لدرء الفيضان وتقوية السور. في هذه الإثناء دق تلفون معاون شرطة السراي عدنان محيي الدين وطلب منه مدير شرطة بغداد بتعبئة الناس فورا لوقف تدفق المياه. اسقط المعاون عدنان حاكية التلفون من يده فقد كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وآوى الناس لبيوتهم نائمين وخلت الشوارع من المارة. فمن أين يأتي بالسخرة ؟ وجد الحل بعد أن هداه فكره إلى محلة واحدة ما زالت تعج بالناس وبالنشاط على قدم وساق وهي محلة الكلجية. اقتاد المعاون ثلة من إفراد الشرطة وهرع إلى أزقة الكلجية وكوك نزر.. حيث جمع كل من وجده هناك من بنات الليل وزبائنهن وحشرهم في سيارات الشرطة وهرع بهم إلى محلة الكسرة، وهناك انكب الشباب بحفر الأرض وملء أكياس من(( الجنفاص )) بالتراب وحملت بنات الليل الأكياس على ظهورهن لردم الكسرة وإيقاف تدفق المياه حيث واصلن (الشيل والحط) حتى آذان الفجر. ولقد اسهمن في سد الثغرة وإنقاذ العاصمة من الغرق ولولاهن لاجتاحت مياه الفيضان الجوامع والمساجد والبيوت في الوزيرية . وبعد صلاة الفجر عادت بهم سيارات الشرطة إلى الكلجية.. كلا إلى بيته. وفي اليوم التالي بعث أمين العاصمة رسالة شكر وتقدير لبيوت الدعارة وبنات الليل الذين ساهموا بالعمل الشعبي لدرء الفيضان عن بغداد . هذه موقف يدلل ان الإنسان مهما كان يعمل ومهما كانت صفاته فيبقى التصاقه للوطن هو العنوان الأسمى والأبرز ... فهذا الصنف من النساء حين لاحظوا ان الخطر قد واجه الوطن هبوا متناسين كل شئ الا حب الوطن والدفاع عنه. لكن السؤال حين غرقت وتغرق بغداد اليوم بالدم فبمن نستعين ؟ ومن ينقذها من سيل الدم الجارف حتى نطمئن ان بغداد لها اهلها وهي عاصمة العراق التي تستحق منا كل التضحيات؟؟
|