استيقظت عند قرابة التاسعة والنصف،كان القلق من شدة مواء قطة جارتي العجوز ما زال يشغل حيزا كبيرا من انشغالاتي. ما الذي كانت تفعله تلك القطة المسكينة خارج البيت في تلك الساعة المتأخرة من الليل؟ تعودت جارتي من سنين طويلة ان تأوي الى فراشها عند العاشرة مساءً كما اخبرتني بذلك عدة مرات، ممنوع ان يتصل بها على الهاتف اي من اقاربها او اصدقائها بعد هذه الساعة من الليل. اذكر انها اخبرتني مرة والفرح يفيض من كل تقاسيم وجهها: لقد كسرت ابنتي هذا الناموس مرة واحدة قبل خمس سنوات يوم اتصلت بي عند الثانية صباحا لتبلغني ان حفيدتي المدللة ساندي رزقت بتوأم. ماذا عليَ فعله الان؟ كل جواري ما زال غارقا بصمته، القطة السوداء بعيونها الخضر البراقة لا اراها في اي مكان، وجاري الذي يزودني بنشرة آخر اخبار الجميع كلما التقيته، هو الاخر لم اسمع صوته وهو يتحدث الى زهور حديقته كما تعود ان يفعل كل صباح، لابد ان ارضية الحديقة تشربت بالكثير من ماء المطر الذي نزل الليلة الفائتة من السماء. حسن جدا، لأكن صبورا بعض الشيء وأؤجل قلقي على جارتي، لا بد ان اتناول بعض عصير البرتقال الطازج لينعشني، ومن ثم اشرب القهوة كي أدخن، وعند العاشرة والنصف سوف احاول ان اختلق اي سبب يقنعني كي اهاتف جارتي العجوز لاضع حدا لهذا القلق اللعين الذي يركبني منذ ليلة البارحة. كانت جارتي ماريا ايفانوفا استاذة طب الاطفال، اضطرتها الظروف قبل سبعة عشرة سنة ان تهرب وعائلتها من وطنهم الى منفى اختارته لهم الظروف بالصدفة، كانت تتحدث عن وطنها بحميمية العشاق الصغار والدموع تسيل على خديها رغم تجاوزها الثمانين، قالت مرة:لم نكن نحتاج لنكون كروات وصرب وبوسنيين، ولا احتجنا يوما لأن نكون ارثذوكس او كاثوليك او مسلمين، كان يكفينا ان نكون يوغسلاف فقط لكي نحقق شروط المواطنة وحقوقها وواجباتها. انها الحادية عشرة وبضع دقائق، جرس الهاتف يرن بجنون، لا احد يريد ان يرفع سماعة التلفون، لا بد ان مكروها قد حل بجارتي الجميلة ماريا. لبست ثيابي على عجل ونزلت. ما خطب ماريا؟ لماذا لا تريد ان تفتح لي الباب؟ من المستبعد جدا ان تكون نائمة حتى هذه الساعة المتأخرة من النهار، اصغيت السمع، اين هذه القطة التعيسة؟ لا اسمع دبيب مخالبها المقلمة بعناية فائقة على الارض. تلتفتُ يمينا وشمالا، ليس هنا احد يخفف من هول الاسئلة الكئيبة التي تتقافز في خاطري بسرعة مرعبة، ليس هنا سوى صمت الابواب الموصدة. لم يبق سوى ان اطرق باب جاري العجوز، هو الوحيد الذي يمكنه ان يخرجني من زحام القلق الذي يلف رأسي. قبل ان القي على جاري تحية الصباح ويرحب بي، ويدعوني الى شرب فنجان قهوة، بادرته بالسؤال عن ماريا. قال الرجل ببساطة شديدة:انهم نقلوا جثمانها الى ثلاجة المشفى عند الثامنة من مساء البارحة. صعدت الى شقتي بأقدام ثقيلة جدا. لم يبق في خاطري سوى سؤال واحد: هل انتظر دوري لأرحل بصمت كما رحلت ماريا؟
|