ليس سراً.. أهم أسباب الانفلات الأمني الأخير

 

ربما تمثل عملية الاستهداف التي تعرضت لها سجون التاجي وأبو غريب عملية غاية في التعبير عن هشاشة الوضع الأمني في العراق نتيجة التقاطعات السياسية والتجاذبات غير المسؤولة بين الكتل السياسية التي تحولت الكثير منها في الأشهر الماضية تكتلات مساندة للحكومة ومعارضة للحكومة ، فالجهات المساندة فهي التي تحاول الدفاع والتبرير لكل الأخطاء والمشاكل والتناقضات التي تعج بها الساحة العراقية على كل الأصعدة .
أما الجبهات المعارضة فهي التي تحمل كل تلك الأخطاء والمشاكل والمعاناة والتسيب والانفلات إلى (شخص رئيس الحكومة) مع أنها شريك أساسي في تشكيلة الحكومة وربما لاعب رئيسي في كل ما يجري من انتهاكات وانفلات وتصعيد طائفي وسياسي .
تداعيات مسالة الاعتداء العسكري المنظم الذي جرى على سجون بغداد ربما يعطي فكرة بسيطة عن التخبط الذي تتميز به الأطراف السياسية بشقيها ( السلطة والسلطة المعارضة) ولم تخرج ردود أفعال الكتل السياسية وقياداتها السياسية أو تهريج المحسوبين على قصاعها الدسمة عن الاتهام والتجريح والتسقيط ، وغاب عن أذهان هؤلاء جميعا فداحة الاعتداء وما نتج عنه من مساوئ أظهرت بكل وضوح التفكك السياسي وحالة التشنج والحقد التي تحكم علاقات هذه الأطراف رغم التزويق الذي يمارسه بعض قيادات الكتل في اجتماعات المصالحة الكارتونية .
وضع العراق السياسي أيها الأحبة غاية في التعقيد والارتباك ويكفي أن نلقي نظرة بسيطة إلى وضع سلطاته الثلاث لتتبين حجم الكارثة التي يعيشها البلد على الصعيد السياسي فرئاسة الجمهورية التي تمثل عائقا رئيسيا أمام تنظيف سجون العراق من القتلة والإرهابيين بعد أن أصبحت المصادقة على كتب أحكام الأعداء رهينة لدواليب مجلس الرئاسة الشاغر من أعضائه بسبب عجز الرئيس لمرضه من شهور عديدة وهرب نائبه الأول لارتكابه جرائم إرهابية وسفر النائب الثاني إلى خارج العراق لأسباب عائلية وبصورة مستمرة وبذلك أصبحت ملفات وقرارات المحاكم طي سلة المهملات إلى إشعار غير مسمى لتملأ سجون العراق بمجاميع من النزلاء الذين يمثلون خطرا لا يستهان به على امن العراق والعراقيين ؟
أما الحكومة فلا توجد حاجة لاستعراض سوء حالها نتيجة الصراع الكبير بين أطرافها ورغم أن الكل شريك في كعكة الحكومة إلا أن بعض الأطراف المشاركة في التشكيلة الوزارية لا تفوت فرصة لأي حدث دون أن تحاول أثبات براءتها من الحكومة والحاكمين كوسيلة لتبرير فشلها في تحمل المسؤولية عما يجري من عبث وحوادث على الساحة العراقية .
أما السلطة التشريعية فهي عبء كبير على العراق شعبا وحكومة بعد أن تحولت إلى مورد لاستنزاف موارده المالية أولا من خلال التخصيصات التي لم ينفك أعضاء البرلمان ورئاسته عن استحصالها من ميزانية العراق الانفجارية ولم تردع الصيحات والحملات الشعبية والمؤسساتية المطالبة بوقف هذه الامتيازات الخرافية أعضاء البرلمان عن الاستمرار في التفكير بتشريع القوانين التي تضمن لهم الامتيازات فقط بالإضافة إلى ذلك فان قوى المعارضة سعت لتعطيل القوانين والتشريعات التي تهم المواطن وبناء الدولة في سبيل ابتزاز الشركاء لتمرير قانون العفو العام رغم ما يشكله من خطر مضاعف على الوضع الأمني المربك أصلا .
المحصلة الرئيسية التي جناها العراق والعراقيين من البرلمان ورئاسته ونوابه فهو التوتر السياسي الطائفي الذي لم ينقطع إلا بعد أن تحول ذلك التوتر إلى معامل لإنتاج الطاقات الإرهابية من خلال عصابات منظمة مدعومة ومسنودة من قبل البرلمانيين الكبار ليتم خلال أشهر تجهيز ميلشيات وعصابات قادرة على اختراق وضرب وزارات الدولة ومؤسساتها الأمنية والعدلية بالإضافة إلى استهدافها المستمر للمجاميع المدنيين الأبرياء في الأسواق والملاعب والمساطر والدوائر ودور العبادة ....الخ .
السلطة الثالثة والتي كان من المفروض أن تكون في منأى عن التجاذبات السياسية والابتزاز بين السياسيين فإنها هي الأخرى وقعت في دوامة الخلافات والمزايدات السياسية وأصبحت السلطة القضائية رهينة في الكثير من مرافقها إلى سطوة وتهديد السياسيين المجرمين وإرهاب عصابتهم وميلشياتهم المسلحة .
إزاء هذا الوضع المربك الذي تعانيه الساحة العراقية ربما لم يكن مفاجئاً للكثيرين من المتابعين حجم الهجوم المسلح الذي تعرض له سجني التاجي وأبو غريب إلى درجة أن تقوم فرقة إرهابية كاملة العدة والعدد بالهجوم على تلك السجون في الكيفية التي شهدناها والتي فاقت التصورات على الصعيدين الزماني والمكاني من خلال استمرار الهجوم لحوالي أربع ساعات ووجود كل تلك الآليات والأفراد التابعة للقوى الإرهابية .
وزير العدل اشتكى مرارا وتكرارا من تقصير مجلس الرئاسة في التوقيع والمصادقة على أحكام الإعدام دون أن ينبري من هرج وصفق بعد الهجوم إلى مساندة الوزير في صيحاته وندائه المتكرر ، واشتكى الشمري أيضا من مماطلات السلطة القضائية وخضوعها لابتزاز السياسيين من خلال الالتفاف على الأحكام الصادرة وتمييزها لعدة مرات من اجل خلق فسحة أمام العصابات الإرهابية ومن يقف ورائها من السياسيين لتهريب واقتحام السجون .
وربما كان دور البرلمانيين المتورطين في دعم الإرهاب والإرهابيين واضحا من خلال التأثير والضغط على الحكومة في سبيل إغلاق سجون بوكا وغيرها في مدن الجنوب العراقي من اجل نقل هؤلاء الإرهابيين إلى سجون بغداد التي تقع في مناطق نفوذ الإرهاب وعصاباته المسلحة كالتاجي وأبو غريب وهي مناطق ساخنة بمعنى أن سلطة الحكومة فيها ربما لا ترقى إلى ما يتمتع به الإرهابيون من دعم لوجستي وإمكانيات بشرية ومادية وتسليحية .
ربما كان ما يثير الاستغراب في ردود الأفعال هو انشغال فضائيات الجهات المناوئة للحكومة في تضخيم أعداد الفارين والتركيز علي ذلك دون بيان موقف وفدائية منتسبي سجني التاجي وأبو غريب والجيش والقوى الأمنية الأخرى المرابطة التي استطاعت التصدي بحزم وقوة وفق إمكانياتها المتوفرة لتمنع مخطط اكبر كان يستهدفه الهجوم الإرهابي السياسي .
لقد كشف العدوان الإرهابي على سجون بغداد عن مشاكل كثيرة ومعقدة في المشهد السياسي العراقي وضرورة المبادرة إلى استئصال رؤوس الإرهاب والفساد السياسي التي تمكنت من أجهزة الدولة ومؤسساتها وأصبحت لا تتوانى في سبيل مصالحها وأهدافها الدنيئة في تدمير مؤسسات البلاد وحصد أرواح العباد وتمكين الإرهاب من مفاصل الدولة من اجل السيطرة والاستحواذ على السلطة المشؤومة .