القلق الآني لأحزاب السلطة

 

ما عادَتْ تُقنِع العراقيين أية مبررات للتغطية على الإنهيار الشامل والكوارث ألتي حلّتْ في جميع مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية والخدمية والأمنية، ألتي لها الأولوية. أشلاء الأبرياء وهروب مئات مجرمي القاعدة من السجون لم يَقُضْ مضاجع أصحاب الضمائر الميتة من الحكّام والساسة المتنفذين في السلطة، بَلْ أنّ همَّهم وشغلهم الشاغل لايزال في الظرف الراهن هو كيفية البقاء على سدَّة الحكم عن طريق التوافق على قانون إنتخابي يضمن لهم الإستمرار و البقاء في الحكم، وبدأتْ علائم ذلك تظهر بتناغم التصريحات بين قوى الإسلام السياسي والتحالف الكردستاني حول ضرورة إستبدال نظام (سانت ليغو) العادل نسبياً بنظام (هوندت) المجحف والمكرَّس لبقاء الحزب الحاكم!... ليس غريباً ذلك التطابق في الآراء، فجميع المشاركين في الحكم ذاقوا حلاوة مَسكْ السلطة والتلذّذ بإمتيازاتها بعيداً عن هموم ومآسي الشعب العراقي الفاقد لأمنه وكرامته. المفارقة، أنَّ الحزبَين الكرديان (الديمقراطي و الإتحاد الوطني) يتشدّقان بالديمقراطية «زيفاً» وإسم أحدهما يحمل مفردة – الديمقراطية – و يطالبان بتطبيق طريقة هوندت في الإنتخابات القادمة!.. للأسف، المتتبع لطروحات وسلوكيات القوى الكردية تحت قبة البرلمان طيلة العشر سنوات الماضية، لايجد فيها أي موقف وطني عراقي، إنّما كانت جميعها قومية أنانية ضيّقة (المادة 140، المناطق المتنازع عليها، زيادة حصة الإقليم من عوائد النفط، رواتب البشمرگة، شركات النفط الأجنبية العاملة في الإقليم، الوقوف بوجه تسليح الجيش العراقي وعدم السماح له بدخول الإقليم، التنسيق السياسي مع جهات خارجية مخرّبة على حساب الإستقلال الوطني ومصلحة الشعب العراقي!!).
هنالك مفارقة أخرى، وهي تصريحات  الشيخ بشير النجفي، لقد أفتى ذلك الشيخ قبل الإنتخابات البرلمانية في عام 2010 (بوجوب إنتخاب حاكم من الأحزاب الإسلامية وعدم السماح للقوى العلمانية بالوصول إلى السلطة!) وبعد إفتضاح حقيقة تلك الأحزاب وفشلها في إدارة الدولة، أطلقَ النجفي وقبل عدة أسابيع تصريح آخر منافي لفتواه السابقة، إذ ناشدَ الجميع (بإبعاد الدين عن السياسة). إنّ تدخل المرجعية الدينية في النجف وإشرافها على نشاط قوى الإسلام السياسي الشيعية ثمّ رفع يدها وتخلّيها عن تلك الأحزاب، يُذكّرنا بتدخلها الأول ،وبطلب من شاه إيران، بالوقوف مع البعث الفاشي ضد ثورة 14 تموز ومكاسبها والمشاركة غير المباشرة في قتل الشهيد عبد الكريم قاسم ومؤآزريه من جميع الفصائل الوطنية العراقية بسبب الفتوى الدموية لعبد المحسن الحكيم حينذاك، فعندما حلّت الكارثة من مسالخ أرتكبها غستابو البعث (الحرس القومي) بحق الآلاف من خيرة أبناء الشعب العراقي، تراجع الحكيم مع مَنْ والاه عن مواقفهم المتطرفة المتخلفة واللاإنسانية. أتمنى على الشيخ النجفي والآخرين من المَراجع الدينية أنْ لا يتدخلوا بالشأن السياسي ويفرضوا آراءهم الفقهية على القوانين الوضعية الصادرة من دولة المؤسسات ذات المنحى الديمقراطي ألتي تحفظ لكل مواطن حقه في المعتقَد سواء كان روحياً دينياً أو لا أدرياً أو ليبرالياً أو مادياً جدلياً.