بغداد.. لاشعراء ولاصور.. ولا بطيخ

 

لو قدر لعلي ابن الجهم الشاعر العباسي المعروف الوقوف اليوم على ضفة  دجلة الخير بلغة حفيده الجواهري  فما عساه ان يقول لفيروز التي تغنت بـ "بغداد والشعراء والصور" بعد ان كان تغنى هو قبلها بالف عام بـ"عيون المها" التي اعادت اليه "الشوق القديم"  بين الرصافة والجسر؟. ماذا حل بالرصافة والجسر الان من خراب وتدمير وكتل كونكريتية حتى يقف ابن الجهم متاملا قصيدة احد احفاده الفحول مصطفى جمال الدين وهو "يحشم" بغداد قائلا لها  ..   "بغداد ما اشتبكت عليك الاعصر .. الا ذوت ووريق عمرك اخضر". كان ذلك في زمن لم تكن بعد قد تسللت الى قاموسها اللغوي مفردات من قبيل الحوت والقاعدة والعملية السياسية  العملية والمحاصصة والتوافق فضلا عن اللازمة المعروفة  ازلام النظام السابق.
 ابن الجهم الذي صقلته بغداد بعد ان خاطب المتوكل عند اول دخوله اليها قادما من بادية قاسية " أنت كالكلب في حِفاظِكَ للود وكالتيسِ في قراعِ الخطوب" ماذا بوسعه ان يقول لابن زريق البغدادي القائل "استودع الله في بغداد لي قمرا بالكرخ من فلك الازرار مطلعه" وقد اجتمع اليوم على بغداد كل انواع التيوس والذئاب وبنات اوى؟. ومع ان ابن الجهم لم يكد يسلم من "حبربش" الخليفة الذين سرعان ما لفقوا له تهمة 4 ارهاب بعد تشبيهه الخليفة بالكلب من حيث الوفاء فان حرص الخليفة على المصالحة الوطنية انذاك جعله يطبق نموذج نيلسون مانديلا في التسامح وطي صفحة الماضي. وبدلا من ان "يجتث" ابن الجهم  اقطعه منزلا جميلا في المنطقة الخضراء انذاك الكائنة في جانب الرصافة وهو ما جعله يتغزل بفتيات  بغداد دون ان يخشى غزوة مباركة من شيوخ ووجهاء العشائر بالتنسيق مع الاجهزة الامنية تاركا الكلاب تنهش بعد الف عام جثث الضحايا المغدورين لان الجماعات المسلحة قادرة دائما وابدا على اختراق حراس السجون واحيانا بعض كبار المسؤولين ممن يجري التكتم على افعالهم لا لشئ لا حرصا على العملية السياسية ولكي لاتنشب معركة داخل البرلمان بـ "البوكسات".  
كان لبغداد انذاك سجون ايضا لكن لم يكن بينها سجنا باسم الحوت وكان فيها عسس مهمتهم السهر على نوم البغادة على السطوح خصوصا ليالي الصيف قبل ان يتبغدد عليهم ولاة بغداد من باشوات وبكوات ايام العهد العثماني وحجاج ومناضلين وفق وفق احدث المصطلحات في العهد الديمقراطي الجديد.  كان لبغداد عسس لاشرطة اتحادية حتى اننا لا نعرف لماذا هي اتحادية في وقت صار فيه الحديث عن الاتحادية ومرادفها الفيدرالية رجسا من عمل الشيخ حمد والشيطان واردوغان. كان لبغداد اسوار وبوابات من باب الشام حتى باب الوسطاني مرورا بباب الاغا الذي فقد سخونة خبزه "الحار والمكسب والرخيص" دون ان يشعر أي بغدادي انه مهدد او مطارد او هدفا لكاتم صوت لايرخم.  
  كان لبغداد اسواق حملت اجمل الاسماء مثل الصفارين والسراجين والغزل والهرج والصاغة والشورجة والميدان والسراي. كان هذا قبل الحوت والقاعدة والعفو العام والمخبر السري. ولم تكن مناطق مثل التاجي او ابو غريب سوى واحات زراعية حيث الماء والخضراء والوجه الحسن  قبل ان تتحول الى سجون ومعتقلات محروسة بستة انواع من الاجهزة والقوات والمعدات بكت مثل النساء "سجنا مضاعا" لم تحافظ عليه مثل الرجال.  عذرا لفيروز وقبلها ابن الجهم وابن زريق فحتى يعود الـ 500 سجين الى بطن الحوت .. لا شعراء ولا صور ولا .. بطيخ.