يقول الفيلسوف البريطاني/ برتراند راسل : ((الديمقراطية عملية تمكـّن الناس من اختيار الرجل الذي ينال اللوم)) ... لقد تعوّدَ الشعبُ العراقي على دكتاتورية الحكم الشمولي المتمثل بنظام صدام حسين للفترة من 17/تموز/1968 لغاية 9/نيسان/2003. وهذا التعوّد على الدكتاتورية جعل الجماهير مفطومة على الرضاع السلبي، ومنها أنها غير قادرة على تناول قدح قراح الديمقراطية بصيغة مباشرة ، لأنَّ هذا قد يسبب لها الحساسية المفرطة من تناول الماء القراح بعدما تعودت على الآسن من مياه الأهوار العراقية أو المياه الثقيلة المتسربة إلى أنابيب الماء الصافي . والحالة هذه ؛ فمنذ أن سقطت خلافة علي بن أبي طالب والشيعة العراقيون يرزحون تحت سياط الحكومات الأموية والعباسية والعثمانية والسلجوقية والتاتارية والبريطانية والبعثية ، حتى شبت على حُبِّ هذه الرضاعة . لو راجع المواطن العراقي تاريخه المعاصر القريب منذ مجيء حكومة البعث عام 1963 حتى عودتها عام 1968ماذا سيجني من هذه الحقبة الزمني غير الاضطهاد والفقر والجوع والحروب !!؟ هل نسي الشيوعيون مجازر 63 وكيف كان البعثيّون يتفننون باستحياء أعراض الشيوعيات المناضلات ؟!! هل نسي الشيعة مجازر عام 91 وكيف كان البعثيّون يتفننون بحفر المقابر الجَماعية ؟!! هل نسي الأكراد .. هل نسي المسفرون .. هل نسي الفيليون .. هل نسي الرماديون الذين توسلوا بصدام أن يطلق سراح الطيار الشجاع محمد المظلوم .. أول ضابط عراقي يضرب أعماق الأراضي الإيرانية في جزيرة خرج ( لعيون صدام) . هل نسي أهل العراق الحنطة (الزبالة) التي أطعمهم صدام ؟!! هل نسي أهل العراق عمر شبابهم الذي ضاع بين المعتقلات و ملاجئ جبهات القتال للسنوات الثمان وما ناف عليها ؟!! هل نسيت الحرائر العراقيات كيف أمتحن برعاية أطفالهن ، فمسخن من نساء قوارير إلى رجال حمير ؟!! هل يتذكر أطفال الثمانينيات ـ رجال اليوم ـ أيام طفولاتهم البريئة ، غير هذا أبوه جاء شهيداً ، وتلك تزوجت غيره، وهذا خصام على سيارة الشهيد، وأرض الشهيد وسلفة الشهيد التي لا يتسلمها إلا بردائه الأبيض،بعد خلع ردائه الخاكي ملفوفاً بالعلم ؟!! كان الذي يتفوه بما يوحي لتململ من قرار لصدام يُعدم ! وكان الناس يصفقون ، ويطبلون ، ويزمرون لصدام !!! العراقيون شعب محيّر ـ وأنا منهم ـ !!! شعبٌ ماشوسي مرّة وشعبٌ سادي أخرى ؟!! شعبٌ يتلذذ بالعذاب ، وشعبٌ يلذذ بالعذاب .. شعبٌ يرتاح لذئب يأكله .. شعبٌ يريحه حمل وديع يأكله !!؟ والحالة هذه ؛ ألا يستحي الشعب العراقي أن يرفع صوته بوجه من لوّن أصبعه باللون البنفسجي لأجله ؟!! ألا يستحي الشعب العراقي من نفسه وهو بجميع انتماءاته جزء من عملية سياسية هو شاءها !!؟ هل نسي الشعب العراقي حرائره الماجدات وهنَّ يهزجن لقدوم صدام حسين في صدامية القرنه ؟!! هل نسي الشعب العراقي حرائره الماجدات وهنَّ يهزجن لقدوم صدام حسين في مدينة صدام ؟!! حتى تنفرط الفوطة أو يسقط العقال ؟!! أين أولئك ؟!! أين بعثيو 63 ؟!! أين رجال المخابرات الذين كانوا يقومون بتصفيات الخدمة الخارجية ؟!! أين رجال أمن مديريات الأمن في المحافظات العراقية وسجونها ؟!! أين فرق الإعدامات على جبهات القتال ؟!! أين ضباط قمع الانتفاضة الشعبانية ؟!! أين مرحلو الأكراد من قراهم الشمالية إلى الجنوب ؟!! أين الذين سفروا المواطنين ورموهم على الحدود ؟!! هل تبخروا ؟!!! هل انتموا إلى واجهات سياسية ، أم ذابوا في العملية السياسية بأسماء أبنائهم الذين حلـّوا محل وظائفهم ؟!! هل غادروا العراق وتمتعوا بمنح ومساعدات الحكومة العراقية والمعونات الإنسانية ؟!! أم لا زالوا يعيشون النفاق ؟!! لقد زحف العراقيون في 15/10/1995 زحفاً كبيراً .. زرافات زرافات إلى المقرات الحزبية كي يعطوا صوتهم لصدام حسين !!؟ وهم اليوم ؛ يزحفون زرافات زرافات لإعطاء أصواتهم لمن كان معارضاً لحكم صدام حسين !!؟ وسيزحفون حتى يموتوا ، وهم لم يبلغوا المراد ! ولم يكتفوا بهذا وذاك ، بل ؛ منهم من رفع ملابسه الداخلية البيضاء أمام الإحتلال الأجنبي عام 2003!!؟ (وثلة قليلة حملت السلاح ، أو ما كانت لا مع هذا ولا مع ذاك !!!) أيّ شعبٍ نحنُ ؟!! أيّ أناس سُذج ٍ نحنُ ؟!! نحن شعبٌ لا يعرف ماذا يريد ، ولا يعرف إلى أي نقطة يسير !!!؟ أنا عراقي إذن أنا موجود ! وعندما أكون موجوداً ، إذنْ ؛ أنا أفكر ! فمتى أفكر حقاً ، دون عاطفة تقودني إلى مالا أدري ؟!! لماذا لا أتريث بالحكم العاطفي على المنتخبين ، قبل أن انتخب ؟!! لماذا أتسرّع بالانبهار والاندفاع الأعمى قبل التشخيص الموضوعي للحاجة الوطنية الصحيحة ؟!! كم صفقنا لصدام ، وكم صفقنا للبكر، وكم صفقنا لعارف ، وكم صفقنا لقاسم ، وكم صفقنا للملك فيصل !!!؟ كم شتمنا الملك فيصل ، كم شتمنا قاسم ، وكم شتمنا عارف ، وكم شتمنا البكر ، وكم نشتم صدام !!!؟ فمتى نشتم أنفسنا ؟ لأننا نحن الجماهير التي كان يحكمها الطغاة ! لأننا نحن الجماهير التي انتخبت ! لأننا نحن الجماهير التي هانت فطاب الهوان عليها !!! هل الحكومة الديمقراطية هي الحكومة التي تعطينا الماء والكهرباء، وهل الحكومة الدكتاتورية هي الحكومة التي تفسح لاحتلالنا ؟!! هل الحكومة الصالحة هي الحكومة التي تمنحنا الرغيف دون الكرامة ، أم الحكومة الطالحة هي الحكومة التي تسلب منا كرامتنا وتعطينا الخبز ؟!! هل الحكومة الوطنية التي أنجبتها الجماهير الواعية ، أم التي رأستها أمريكا ؟!! هل الحاكمية لله ، أم الحاكمية للدولة العلمانية المدنية ؟!! هل استشهد السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد محمد صادق الصدر لأجل الدولة العلمانية ؟!! هل استشهد سلام عادل وفهد لأجل حكومة تتسلط عليها الرأسمالية ؟!! تساؤلات وعتابات كثيرة وكثيرة تتوالى ... لكنْ ؛ حقاً نقول ما قاله برتراند راسل : ((الديمقراطية عملية تمكـّن الناس من اختيار الرجل الذي ينال اللوم)) !!! وعلى الرجل هذا ؛ أن يتقبل اللوم حتى تصلح حال العباد والبلاد ، أو يرحل عن الحكم !
|