ما حصل في عاصمة العراق (المحصنة ) بغداد حلال الاسبوع الماضي من تفجيرات واعمال ارهابية ، وفضيحة من اكبر الفضائح التي لم تشهد لها اي دولة في العالم قديما وحديثا هروب جماعي من سجني أبو غريب والتاجي المحصنين ، بتخطيط مخابراتي مدبر و منظم ، و بدعم لوجستي محترف ، أذهلت العالم باسرها نتيجة لوصول الخبرالى وسائل اعلامها بعد دقائق من حدوثها ، و لو حصلت مثلها في صومال او جيبوتي أو في جنوبي سودان كدولة لم تمضي على ولادتها سوى فترة قليلة . لوقف الرئيس واعضاء حكوماتها امام شعوبها منكسي الرؤوس خجلا على ما حصل في بلادهم ، وهم على راس الهرم في الحكومة والدولة ، ولكن ما يؤسف هو ان حكومتنا لا تعرف الخجل ولا الحياء لنشاركها الالم ، ونعلن الوقوف بجانبها في محنة ليست من اشد محنتها بل هي اغربها ، ولا نمتلك القدرة على مواساتها و (نطبطب) على ظهر دولة رئيسها ونمنحه قدرة التحمل على الشدائد ، لان ما أفرزتها سنوات حكمه كان خارج ارادة الشعب العراقي عموما ، وخارج طموحاته الوطنية بما يتناسب مع حجم تطلعاته المستقبلية ، مما سبب في خلق سخط شعبي واسع من كيفية ادارته للدولة ، ومعالجة ازماتها الكثيرة والمعقدة غير قابلة للحلول في ظل تمسكه الصارم بالسلطة ، وعدم استعداده لفتح باب الحوارات بشأن كيفية الخروج من هذه الازمات مع خصومه السياسيين ((( لضيق وقته وانشغاله بمهامه الوظيفية الكثيرة في مجلس الوزراء والدفاع والداخلية والامن الوطني والمخابرات ، اضافة لمسؤولياته الحزبية والسياسية كأمين عام لحزب الدعوة ، واشرافه المباشر على قوات (سوات) الذي يحتفظ لوحده حق تحريكها وتمويلها ، ومعرفة كل صغيرة وكبيرة في عملها ، والوقوف على ملف منتسبيها الذي لابد ان يكون وفق شروطه ووصاياه ))) هذه المهام الكثيرة والكبيرة ربما كانت هي السبب في عدم معرفته لدقائق الأمور التي تجري بمعزل عنه في العراق ، وهذا يعني ان المعلومات الاستباقية التي حصلت عليها الاستخبارات بشان الهجوم على قلاعي التاجي وابو غريب لم تصله وفق سياقات العمل الاستخباراتي ، وربما تلكئت جهاتها في ايصالها لسبب واحد أو لعدة اسباب ، والتي ربما ايضا ليست بغريبة على الشارع العراقي من خلال قراءته المتواضعة لطبيعة المجريات على الساحة العراقية في ظل صراع ديني سياسي وطائفي مذهبي من غير الممكن اغفال حقائقه القائمة على الارض والتنكر لمجرياته .... وعلى ضوء تلك الاحداث ، وما يعانيه واقع الحال العراقي ، يبقى كل التكهنات والاحتمالات واردة من ان يتحول العراق مجددا الى ساحة لتصفية الحسابات ، خصوصا ان المعتقلين الهاربين ليسوا بمعزل عن ارتباطاتهم الدولية والاقليمية الذي جندوا اساسا في حينها وقبل اعتقالهم بالجرم المشهود لزعزعة الاوضاع في العراق على اساس ديني وطائفي ومذهبي ، وتمت ادانة الاغلبية منهم بالجرائم الكبيرة التي ارتكبوها دون ضمير ، ونطق القضاء بإعدامهم ، ولكن لم يعدموا ولم تنفذ حكم القضاء بحقهم بسبب تدخل أكثر من طرف سياسي من أصحاب النفوذ الكبيرة في سلطة الحكم بتأجيل التنفيذ تحت طائل من المبررات العشائرية التي فقد القضاء من جراءها سمعته الوطنية ، وفتح لنفسه صفحة سوداء لا يرحمه التاريخ ابدا حين تعمد ان يتنكر لقيم العدالة الانسانية ، أو الخوف من ان ينقلب عليه قانون الغاب الذي يعيشه العراق منذ اكثر من عشر سنوات ، وما اكثر من تفاصيله بهذا الخصوص ، والذي فقد العراق من جرائه خيرة قضاة كانوا ولا يزالوا حتى بعد استشهادهم علما من اعلامه التشريعية والقانونية البارزة فيه، و ما اضافوها للعدالة من قيم ونبل ومكانتها الحقيقية... ومن هنا يبقى السؤال ... من المسؤول ..؟؟ المواطن العراقي الذي ألف ذاته الوطنية منذ الازل على حب العراق يدرك جيدا ان اللعب السياسية الجارية في وطنه المثقل بالجراح والانين ليست محصورة في الاختلاف والخلاف السياسي والفكري والرؤية المتبادلة فيه ، بل تتعداه لتشمل افكار هدامة وتدميرية لقتل و تشويه صورة انسانه المفعم بحبه الوطني اللامحدود ... ولهذا فقد شهدت فترة ما بعد سقوط صدام حملة مخابراتية دولية واقليمية لشراء الذمم العراقية لتكون اداتهم في تنفيذ مآربهم العدوانية في العراق ، واشاعة الفتن والنزعات الطائفية فيه ، وخلق مناخات مناسبة لها ، وهذا يعني ان تنظيم القاعدة الارهابي الذي انتشر في العراق كان الاكثرية من عناصرها عراقيون تنكروا للشعب والوطن ، وفضلوا مغريات تلك الدوائر على انتماءاتهم الوطنية ، وكذلك الحال مع الكتل الطائفية والمذهبية المعادية للعملية السياسية التي سارت بذلك الاتجاه ، في وقت والسلطة الحاكمة كانت ولا تزال من اضعف السلطات لا هم و غم لها ، سوى الحفاظ على الكرسي والسلطة وحماية مكتسباتها الغير المشروعة ... لذلك فحين نحاول ان نتعمق في فك رموز هذه العملية المخابراتية الكبيرة التي استهدفت تهريب سجناء التاجي وابو غريب ، فهي ومن حيث اعتقادنا بداية لتهيئة الاجواء بهدف مواجهة الأحداث المماثلة لما تجري في سوريا ومصر ،وهذا لا يلغي الاعتقاد والراي السائد أيضا بان العملية طفت على السطح كرغوة صابون برمشة عين ، بل اعدت لها العدة بكل جوانبها وبمساعدة كبيرة جدا قياسا لحجم العملية وتأثيراتها على الشارع العراقي من قبل اصحاب الرتب الكبيرة والصغيرة على حد سواء داخل السجن وخارجه ، لان الخنوع للمغريات لا تحتاج عند النفوس الضعيفة الى تفكير طويل ، وهذا ما اثبتتها المسؤولين الكبار الذين تحولوا واقولها بأسف شديد من نملة صغيرة كانت تبحث حتى الامس القريب عن حبة قمح تغنيها عن الجوع في فصل الشتاء الى حوت تتمنى ان تبتلع البحر والبحيرات ولا تكتفي ...!! بمعنى ان المثل العراقي الدارج الذي حذرنا به قائله من هكذا نفوس حين قال (( بسمارج منج يا لوحه)) كان يدرك ببساطته ان طعنة الداخل هي من اقوى الطعنات ، وان (( الفلوس يخرب النفوس )) وقليل من عامة الناس لا تستسلم للمغريات مقابل حبها للأوطانها ... هذا يعني ان العراقيون متيقنون تماما ان العملية ستدخل ردهة الانعاش كسابقاتها التي اغلقت ملفاتها اكراما للمقامات ، و ((شفقة باسر مدراء السجون وسجانيها الذين لا ذنب لهم في هذه القضية ..!!)) تاركين اسر ضحايا هؤلاء المجرمين في ظلمة الفقر والمعاناة اليومية المتكررة ، وكأنهم خلقوا للاشمئزاز من حالتهم الاجتماعية والاستهانة بوجودهم كبشر... اذن .. فمن المعيب على رئيس الوزراء ووزرائه الذين يملؤون شاشات التلفزيون في هذا الشهر الفضيل بالنكت والطرائف التي لا تدل الا على قلة وعيهم ومعرفتهم بما يجري في عموم مدن العراق ، ويطالبوا بسحق المتظاهرين الذي لا يرغبون بحكومتهم المنهارة التي لا تملك ما تغطي بها عورتها ، ، ويتركوا متخاذلي سجن التاجي وأبو غريب وتهاونهم وتعاونهم مع المجموعات الاقتحامية الذين قتلوا كل من وقف في طريقهم ، ومزقوا اجسادهم الطاهرة بالرصاص وشظايا سياراتهم المفخخة ، برغبة من يأويهم ويمنحهم كل ما يتمنونه من طرب وترف على حساب مأساة الشعب الذي منحهم الثقة في غفلة فيما يخبؤنه من خبث النوايا تجاه العراق وشعبه ... ولهذا فان العملية التراكمية للفضائح في العراق تنذر بانهيار حكومة المالكي ، لأنها الضربات الموجعة والمميتة لأجهزة الامن والاستخبارت والمخابرات تكسر من هيبة الحكومة وهيبتها خصوصا الاخيرة منها ، لأنها كانت تحمل رسالة موجهة واضحة المعالم ، بان حكومة نوري المالكي منخورة الجسد لا تتمكن من الوقوف بوجه المفاجآت الباغتة ، وعليها ان تحفظ من ماء وجهها بقرار شجاع تنهي حالات الشكوك والظنون التي تحوم حول اسباب فشل ادارتها للحد من الفلتان الامني في العراق ، وعدم استطاعتها من بناء دولة قادرة على حماية ابناءها من شرور القاعدة واذنابها .....
|