عُراة ذلك الصباح... محمد جواد شبر |
كانت الساعة الرابعة صباحاً إذ دُقت الأجراس ونادى أحدهم بصوت عالٍ ومخيف: (اصطفوا جميعكم في طابور واحد و من دون أوعية)! قلت في نفسي: (وكيف يمكن ذلك؟!) أكمل المنادي: (اصطفوا من دون هوية أو باج أو أموال.. اصطفوا عرايا بلا صاحبٍ أو رفيق)! دلفنا جميعنا ووقفنا مندهشين خائفين في الطابور، نظرت إلى الطابور فلم استطع أن أرى بدايته أو نهايته لكثرة الناس، ما هذا الصباح الغريب وما أكبر هذا المكان؟! ومن أين أتوا هؤلاء الناس؟! كلهم هنا! التفتُّ إلى الخلف فرأيت السيد جلال الطالباني واقفا خلفي وخلفه نيرون وتشي جيفارا واحمد شوقي والمتنبي والجواهري.. نظرت إلى البعيد، ملامحه ليست غريبة، نعم انه راسم الجُميلي! ماركو بولو وبينوكيو وصدام وهتلر والقذافي وغاندي وحتى جنكيزخان كلهم واقفون في الطابور! التفت إليّ الشخص الذي كان يقف أمامي فإذا به ذلك العجوز عامل بلدية شارعنا الذي لم أره منذ عدة أشهر ولم أسأل عنه هل مات أم لا زال حيّاً، كأنّه ليس إنساناً، ولو كان شخصاً آخر لديه أملاك وأموال لسألتُ القاصي والداني عنه وعن أحواله ولكنّ من لا حول ولا قوة له فله ربّه فقط، على كلٍّ.. بحثت كثيراً عن اينشتاين وإديسون ولكن مع الأسف لم أجدهم لكثرة الزحام! ولكنّني لمحتُ موظف تلك الدائرة اللعينة التي قضيت أسابيع واقفاً ببابها.. ما هذا المكان الذي يتواجد فيه الجميع؟! لم يتأخر احد عن الحضور، لم أتعرف على الكثير منهم لكن على أي حال وجدت من اعرفه ومن تمنيت رؤيته، كلّ فرد يقف لوحده ويحمل بيده ورقة ما أو ملف، بعضهم بيده اليمنى والآخرون في يسارهم، وملفي كان في يدي الـ... على كلٍّ.. نظرتُ بكل ما أوتيت عيناي من قوة إلى الأمام فرأيت جهتين، الجهة الأولى نار ملتهبة حمراء وصفراء والجهة الأخرى خضار وبياض وزراق، كأنهما جهنم والجنة التي سمعنا عنهما كثيراً، الكل يقفون بانتظار شيء ما، الهي هل هذا يوم القيامة الذي وعدتنا به؟! هل الناس يحشرون هكذا؟! كان الصمت الممل سائداً في كل الأرجاء، ها هم يتحضرون لينادون بالأسماء.. وإذا بالمنادي يصرخ بأعلى صوته: (محمد جواد!!) كدت أن أموت من شدة الخوف، وبقيتُ صامتاً لم أتحرك من مكاني، صرخ للمرة الثانية ولكن أعلى هذه المرّة: (محمد جواد!!) ارتجفت قدماي، التفتَ إليّ عامل البلدية وقال: (إنهم ينادونك!!) لكنني لم اهتم له وبقيت صامتاً من شدة خوفي، وفجأة أحسست بيد احدهم تدقُّ على كتفي وصوت منخفض مشوّش: (أخي قم.. إنهم ينادونك.. لقد حان دورك)؛ (الحمد لله .. كان كابوساً مخيفاً) قُلتُ بصوت منخفض.. قمت من على الأرض التي كنت قد افترشتها بانتظار دوري في النظر إلى معاملتي، وعيناي لا تكادان أن تفتحان من شدة الشمس الحارقة، قمت وكأنّني سكران والكلّ ينظر إلى حالتي المزرية، وجهي الأحمر وقميصي المبلّل من العرق وبنطالي التريب، وقفت أمام الموظّف وقدمتُ له معاملتي، نظر إليّ باشمئزاز وقال: (أنت مجدّداً؟! قلتُ لك تعال بداية السنة المقبلة وسأنظر في الأمر). مسحتُ جبيني بمنديلي الأزرق الذي ظلّ صاحبي في كل صيف وشتاء وابتسمتُ في وجهه وتذكرت ذلك الحلم المخيف وقلت له: سأراك عارياً هناك! نظر إليّ بدهشة وقال: (ماذا تقول؟!.. هل تعلم انك تكلم من؟!) قلت: (نعم.. أكلم بشراً سيقف معي ومع باقي البشر عارياً صباح ذاك اليوم! حيث لا رشوة ولا واسطة!!) |