لا يحتاج المرء الى ان يكون محللاً ستراتيجياً او خبيراً عسكرياً ليستنتج بعد تفكير بسيط ان حادثتي سجني ابو غريب والتاجي هما كارثة وطنية مدوية ..وسقوط مريع للدولة والنظام والمؤسستين الامنية والعسكرية..واجهاز تام على ما تبقى من روح العملية السياسية الخديجة اصلاً والتي قامت على المحاصصة والدمج والتوافق على التستر المتقابل على الاخطاء والجرائم والسرقات ..والا ماذا يعني هروب هذا العدد الهائل من اخطر وعتاة المجرمين والارهابيين والسجناء الاخرين والذي يعادل عدد السجناء في اكثر من عشرين دولة اوربية مجتمعة ؟ .وماذا تعني هذه العملية الدقيقة والمنظمة التي تمّت بها تلك العملية وهذا العدد الكبير من الاليات والاسلحة والاشخاص الذين نفذوها ؟..وكم هو كبير ومتنوع هذا الدعم اللوجستي والجهد الاستخباري والتخطيط المسبق الذي تمتلكه هذه المجاميع ؟ ..ليطلع علينا كائن من يكون بمناسبة او بدونها ليتهم جهات بعينها بالمسؤولية المباشرة عن هذه الفضيحة المدوية ويدعي ان الجماعات المسلحة تلفظ انفاسها الاخيرة وهي مجرد خلايا نائمة تنشط احياناً عندما تتوفر لها البيئات الحاضنات !! ؛ في تبرير يعلم هو ومرؤسيه انها اصبحت اسطوانة نشاز..وانها لا تقنع طفلاً في قماطه . لقد كُتب الكثير عن تفاصيل الحادثتين المتزامنتين ؛ وتضارب اعداد السجناء الهاربين ..وباتت الجهات الرسمية : السياسية والامنية تتبادل التهم ( والتشفي احيانا ) بالمسؤولية عما جرى من نكبة ونكسة ؛ لو قيض لها ان تقع في اسوء بلدان العالم لاهتزت وربت وزمجرت وارتعدت غضباً..والمضحك حد البكاء هو تشكيل اللجان التحقيقية سيئة الصيت ..والتبريرات السفسطائية ..واقالة او نقل او اعفاء القادة الامنيين.. اواستضافة البرلمان لهم وعقد الاجتماعات بعد الحادثتين والتي يعلم الجميع ؛ ويلمس لمس اليد انها لذر الرماد في العيون وامتصاص النقمة الشعبية ..ومحاولة معالجة هيبة الدولة ومؤسساتها وشللها وتداعيها بضربة واحدة ومحاولة ايقافها على قدميها من جديد.. الادهى والانكى من كل ذلك ان الحادثتين ليستا بجديديتين في مجال السجون العراقية والهروب منها ؛ وان توقع حدوثهما قائم بنسبة المئة بالمئة ..وان السجنين يقعان في منطقتين ملتهبتين تقع فيهما كل يوم عشرات الحوادث الامنية ..وان عدد وعتاد القوى التي تتولى حمايتهما كبير جداً ؛ وكان يفترض ان تكون هناك خطط للاسناد وطرق ووسائل تامين وحماية تتناسب مع حجم السجنين ومقدار خطورة السجناء واعدادهم ..وان عددا كبيرا من الفارين كان من المحكومين بالاعدام او المؤبد ..وبعضهم كان مسجوناً دون محاكمة. اللجان التحقيقة لن تاتي بجديد وساقول لكم نتائجها : هناك تواطؤ وهناك تقصير وهناك جهد استخباري يشخر في نومه وهناك تداخل في المسؤوليات ..وكل يريد ابراز عضلاته ؛ والكل سيبرئ نفسه ويلقي باللوم على كائنات خرافية جاءت من المريخ واستخدمت تقنيات ووسائل لا قبل للاجهزة الامنية على صدها ونفذت العمليتين ..وسيتبع ذلك تغيير قيادات او مناقلتها او المناورة بها ومعها اعلانات يومية عن اعتقال عدد من الفارين و..و.. وينتهي كل شئ بعد عشاء عمل او افطار رمضاني سياسي لان الجميع صائم مؤمن محتسب والحمد لله ..ثم ماذا ؟. هذا هو السؤال وتلك هي العلة كما يقول شكسبير .. فمن يعيد للدولة التي هُتك عرضها في وضح النهار هيبتها ؟ ومن يضمن عدم تكرار هذا الفتق النازف يوميا..في هذين المكانين او غيرهما ؟ وكم هو فادح ومرعب مجرد التفكير ان يعود هؤلاء الهاربون الى القتل والاجرام بعد ان يتسللوا الى مناطق اخرى ؟ واين ستكون الضربة القاصمة الاخرى..والى اي مدى وصل مؤشر الاحباط والياس والخوف من الغد والمجهول لدينا ؟ وكيف سيتعامل العالم معنا والناس الذين ندعوهم للعمل او الاستثمار في بلدنا ؟ و..و..الى ان نصل الى السؤال الاخير الذي لا تلوح في الافق اجابة عليه : الى متى يبقى شعب العراق الجريح يدفع الارواح والدماء من خيرة ابنائه انهاراً جراء الفشل الامني الذريع الناتج اصلاً عن عملية سياسية مشلولة قامت على المصالح الشخصية والمحاصصات المقيتة واوصلت البلاد الى الحضيض في كل مجالات الامن والخدمات والمعيشة والعيش الكريم ؟ والجواب قطعاً لدى الشعب المسكين وحده ..ولو بعد حين .
|