لا أظنني أجازف بالقول، وانا اكتب هذا العمود قبيل انعقاد جلسة أمس لمجلس النواب، ان هذه الجلسة كانت وكأنها لم تكن على صعيد أهم فقرة فيها، وهي المتعلقة بالبحث في ملف الكهرباء. فحتى اذا قُدّر وحضر نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني ومعه وزير الكهرباء عبد الكريم عفتان ليس متوقعاً ان يتجاوز الأمر إلقاءهما بيانات حافلة بالتبريرات والذرائع .. حتى الاكاذيب ليست مستبعدة. الكتاب يُقرأ من عنوانه، وجلسة برلماننا أمس كان مضمونها واضحاً ومحتواها بيّنا من عنوانها: "استضافة". هذا التعبير اختراع عراقي بامتياز، ابتدعه الفاسدون في الطبقة السياسية المتنفذة. ففي سائر البلدان الديمقراطية يُسمى مثول الوزراء ورؤساء الحكومات امام البرلمان "مُساءلة" أو "استجواب"، إذ ثمة أسئلة تُطرح من جانب اعضاء البرلمان وثمة أجوبة من الوزراء أو رؤساء الحكومات وسواهم. ليس البرلمان مضيفاً ولا مقهى أو منتدى. انه السلطة الأعلى في الدولة، وظيفتها الأساس تشريع القوانين ومراقبة تنفيذها من قبل السلطة التنفيذية. وفي اطار المراقبة تدخل وظيفة المحاسبة، فالسلطة التنفيذية يعيّنها البرلمان، ولهذا هي مسؤولة أمامه، يوجهها ويحاسبها عما تقوم به. اعطاء مثول نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير الكهرباء أمام مجلس النواب صفة الاستضافة هو افراغ كامل لوظيفة المراقبة والمساءلة التي يتعين أن يقوم بها المجلس تجاه هذين الوزيرين المسؤولين عن واحدة من أكبر المعضلات التي تواجهها البلاد ويعاني منها اكثر من ثلاثين مليون انسان. لا أجازف إذ اتوقع ان السيد عفتان قد ألقى في جلسة أمس بالمسؤولية عن هذه المعضلة والمعاناة على عاتق الوزراء الذين سبقوه، فهو عضو جديد في الحكومة، ومن المنطقي الا يكون مسؤولاً عن القدر الهائل من الفساد المالي والاداري والقرارات والاجراءات الخاطئة المرتكبة في فترات أسلافه الكثر الذين، كغيرهم وكالعادة، جرى تمكينهم من الخروج من الوزارة والى خارج الحدود بسلام وامان وملايين. أما السيد الشهرستاني فالأكيد انه لم يشعر بالحرج عندما سيقول، كما قال رئيسه نوري المالكي منذ بضعة أيام، انه تعرض للغش والخداع من الوزراء السابقين الذين قدموا له تقارير بمعطيات غير صحيحة وتقديرات غير دقيقة. لا أجازف إذ أتخيل أن جلسة مجلس النواب المنعقدة امس قد انفضّت "على الخير والبركة" ليخرج الوزيران الى عدسات الزملاء المصورين وعلى وجهيهما ابتسامات عريضة، مفسرين نتائج الاستضافة بانها بمثابة تصويت باعادة الثقة بهما وبحكومتهما، وليس على الناس من الآن فصاعداً أن يلوماهما والحكومة على ما يعانونه من الكهرباء .. عليهم أن يلوموا أنفسهم لأنهم لا يتحلون بالقدر الكافي من الوطنية والإيمان لكي يصبروا على الضيم والظلم والحيف والقهر عشر سنوات أخرى!.
|