الصراع على نفط العراق ٣

 

 

 

 

 

 

استطاعت شركة النفط التركية في 14 آذار 1925 وبعد جهود شاقة وصراع طويل امتد لسنتين أن تحول الوعد الذي حصلت عليه قبل الحرب العالمية الأولى إلى امتياز حقيقي منحتها إياها الحكومة العراقية . وكانت الحكومة العراقية بموجب اتفاقية عام 1925 الموقعة من شركة النفط التركية قد اكتفت برسم مقطوع (حصة ملاكين)، وقد عدل هذا الاتفاق عام 1931، وكانت حصص الشركات قد توزعت بصورة نهائية في 31 تموز عام1928 على الشكل التالي:-
1- 23.75 بالمائة شركة النفط الإنكليزية الإيرانية
2- 23.75 بالمائة جماعة رويال دتش شل
3- 23.75 بالمائة شركة ترفيه الشرق الأدنى الأمريكية
4- 5% بالمائة كولبنكيان
أثارت اتفاقية 14 آذار 1925 عاصفة من الاحتجاجات في الأوساط الرسمية والشعبية حيث قدم وزيرا المعارف والعدلية استقالتهما من حكومة ياسين الهاشمي مسببة بالاحتجاج على الاتفاقية التي اعتبرت تفريطاً بحقوق الشعب العراقي كما مارست الصحافة الوطنية أعلى درجة من الشعور بالمسؤولية، حيث نددت بالاتفاقية ودعت إلى معارضتها باعتبارها إجحافا واضحاً وصريحاً بحق الشعب العراقي. وإزاء الموقف الرسمي والشعبي المندد بالاتفاقية، سارعت الحكومة العراقية إلى التعجيل بتصديقها دون الانتظار ريثما يتم إقرار القانون الأساسي العراقي. كما حالت دون عرضها على المجلس التأسيسي، أو هيئة شعبية أخرى، معتبرة إن التوقيع عليها من قبل مجلس الوزراء أو من يخوله قانوناً كافيا لإقرارها ووضعها موضع التنفيذ.
بدأت شركة النفط التركية أعمالها في نهاية عام 1926، وفي 14 تشرين الأول 1927 انبثق النفط لأول مرة في العراق من بئر (بابا كركر) بغزارة عظيمة من حقل القيارة غرب نهر دجلة، وفي عام 1929 أبدل اسم (شركة النفط التركية) باسم شركة النفط العراقية.
إن الأساليب التي اتبعتها شركة النفط العراقية مدعومة من الحكومة البريطانية لا تنسجم مع المواثيق والأعراف الدولية فقد كان تمرير اتفاق آذار1925 بالإجبار والتهديد للحكومة العراقية التي هي في الأساس لا تكن تمتلك السيادة الكاملة على البلاد.
في آذار من عام1930 برز على المسرح السياسي العراقي نوري السعيد كرئيس للوزراء وكشخصية سياسية مؤثرة، وقد أنيط به مهمة توقيع اتفاقية جديدة مع بريطانيا، وتعديل اتفاقية عام 1925. وأحدث ذلك سخط شعبي عارم لم يشهده العراق منذ عام 1920، و كان أبرزه استقالة العديد من النواب العراقيين، وإعلان الإضراب العام في البلاد، غير ان هذا لم يوقف الحكومة العراقية عن مهمتها التي جاءت من اجلها، والتي انتهت بتوقيع اتفاقية 19 تشرين الأول 1931.
وما جاء بتقرير لجنة التجارة الاتحادية الأمريكية الخاص بأحكام النفط الدولي الذي نشر عام 1952 خير دليل على مدى الإجحاف الذي لحق بالعراق من جزاء اتفاقية 1931 حيث جاء فيه:(( وقعت الحكومة العراقية وشركة نفط العراق نهائياً على اتفاقية جديدة في 24 آذار 1931 تخلصت الشركة بموجبها من كل الأحكام المتعلقة بخطة( الباب المفتوح) بدلاً من ان يكون امتياز الشركة منحصراً بمساحة قدرها (192) ميلاً مربعاً، أصبح امتيازها يشمل الأراضي الواقعة شرقي نهر دجلة من ولاتي بغداد والموصل التي تبلغ مساحتها حوالي (32000) ميل مربع، فيما كانت الأراضي المشمولة بالامتياز القديم 192 ميلاً مربعاً وحذفت من الاتفاقية كل الأحكام التي تشير إلى إيجار القطع ووضعها بالمزايدة العلنية، كما تخلصت الشركة من كل التزامات الحفر في الحاضر والمستقبل وأعطيت حرية مطلقة تماماً في استئجار الامتياز)). هذا إلى جانب مجموعة من الأحكام التي لم يراع فيها مصلحة العراق.
لقد اجتهدت بريطانيا من خلال إحكام سيطرتها السياسية على العراق في ألامعان باستغلال نفطه بإذعان الحكومة السعيدية الثالثة 23 آذار 1939. التي منحت شركة النفط العراقية امتياز لاستثمار النفط في جميع الأراضي الواقعة في لوائي بغداد والموصل والتي تحدها ضفة نهر دجلة الشرقية والحدود التركية العراقية والحدود العراقية الإيرانية، باستثناء المنطقة التي يشملها امتياز شركة نفط خانقين وبموجب هذا التعديل أصبحت المساحة المشمولة بالامتياز (32) ألف ميل مربع. .