يحدّثونك عن الشرعية

 

خلال الأيام الماضية سمعنا كثيرا من الجدل، وقرأنا العديد من التعليقات والكتابات التي يطالبنا أصحابها بأن نتوخى الدقة ونحن نتحدث عن رئيس منتخب مثل محمد مرسي، ويذهب البعض منهم شوطا أبعد حين يقول كيف تريدون إجهاض عملية سياسية جاءت عبر صناديق الاقتراع، فأنتم بذلك إنما تسقطون الديمقراطية؟! وكانت كلمات أحد الأصدقاء قاسية وهو يتهم المساندين لحركة تمرد بأنهم يلهثون خلف ظاهرة السيسي، وأن الليبراليين والعلمانيين تناسوا إمكانية إزالة مرسي من خلال صناديق الاقتراع.
للأسف يفهم البعض الديمقراطية على أنها فعل مجرد بلا قيم ومبادئ.. ويتصور آخرون أن الديمقراطية يمكن أن تسمح لمن جاء عبر صناديق الاقتراع، بأن يمارس الاستبداد والتسلط، يقرر فلا يراجعه احد، ولا ترد له كلمة.. يقولون إن مرسي حصل على ملايين الأصوات، وهي التي تمنحه تفويضاً لملكية الدولة بكل مؤسساتها.
ولكنهم لا يسألون سؤالاً مهماً: كيف تصل إلى الحكم بطرق ديمقراطية، ثم تصر على فرض أساليب استبدادية؟ كيف تؤدي اليمين على الحفاظ على استقلالية مؤسسات الدولة، ثم تبدأ بابتلاعها الواحدة بعد الأخرى، كيف تصعد إلى كرسي الحكم بالديمقراطية، ثم تعمل جاهدا على تدمير كل أسس الدولة المدنية.. أليست هذه خيانة للصندوق وللملايين التي ذهبت لانتخابك؟ هذا ما لا يريد ان يفهمه البعض حين يصر على الحصول على كل شيء باسم الديمقراطية.
عندما يدمر الحاكم مؤسسات النزاهة والقضاء والإعلام، بدلا من تقويتها ومنحها استقلالية كاملة، فهو حتما يهين صناديق الاقتراع، ويسخر من الأصوات التي انتخبته، وعندما تُسرق أحلام الناس وتطلعاتهم ببلد آمن ومستقر، من اجل فرض نظام حكم لا يؤمن بالشراكة في الأرض والتاريخ، فإن على الناس ان تخرج لتنبه إلى الكارثة التي ستطيح بالبلاد. 
ماذا فعل المنتخَبون من امثال مرسي والغنوشي والمالكي غير التسلط وفرض السيطرة والوصاية، وهو ما تفعله كل أنظمة الاستبداد.. لكن أضيف لها في ظل الديمقراطية العربية الحديثة، نظرية التكليف الشرعي ودولة الإيمان والهداية والسراط المستقيم. 
وأرجو أن يتذكر أصحاب صناديق الاقتراع، أن مرسي ومعه أهله وعشيرته من الإخوان المسلمين هم الذين وضعوا دولة بحجم مصر بهذا المأزق، وهم الذين يصرون الآن على إشعال الفتنة.
يكتب أدونيس في مقاله الأسبوعي في الحياة مقالا عن الحالة التي وصل إليها الربيع العربي: " للمرة الأولى في التاريخ العربي الحديث يتجسد في الشارع، عمليا الانشقاق بين نظريتين، الأولى تلك التي تتخذ من الماضي مرجعية مطلقة، وتصر على العودة إليه، والثانية تلك التي تريد على العكس أن يكون الماضي أفق استبصار واعتبار، وأن تبني عالما جديدا وتؤسس لكتابة تاريخ جديد ".
الذين نزلوا إلى الشوارع في مصر كانوا قد آمنوا بالصناديق وانتخبوا مرسي.. لكنهم اليوم يخرجون ليهتفوا ضد الفشل والتخلف، وضد استدعاء الماضي لتقويض الحاضر، وغلق الأبواب والنوافذ أمام المستقبل.. 
الاستقرار والرفاهية لا تأتي أبداً بالشعارات،فهذه أدوات استخدمت لصناعة الدكتاتوريات والخراب..من سوء الحظ انه بعد سنوات ما يزال الكثير من سياسيينا يمارسون الخديعة والكذب، ومن سوء الحظ أيضا أن مسؤولين كباراً يتغنون بالديمقراطية كل صباح لكنهم لا يمانعون من الانقضاض عليها حين تتعارض مع مصالحهم الخاصة. 
يا سادة إننا نعيش في ظل ديمقراطية " ما ننطيها " هي نفس الديمقراطية التي يردد فيها جماعة مرسي من أن رئيسهم لن يترك الحكم لأنه يطبق الشرع.. في الديمقراطية العربية إما أن ترضى بالمقسوم، أو تذهب إلى حرب أهلية.. فشعار ساستنا: أنا أو الفوضى.
في ديمقراطية مرسي فإن الذين يتظاهرون معك هم أولياء الله الصالحون، أما الآخرون فهم فقاعات وعملاء ينفذون أجندات خارجية، والآن دعونا نتساءل هل الديمقراطية مجرد إجراءات أم شعارات وصناديق انتخاب؟
في كل كتب المفكرين، الديمقراطية تعني إقامة حكم العدالة الاجتماعية.. ومهمة الحاكم فيها الحفاظ على القانون، لا الدوس عليه، ودعم مؤسسات الدولة لا تحويلها إلى دكاكين للإيجار، وإشاعة المساواة لا الفرقة والطائفية.
سيقول البعض، ولكن لا يجوز استدعاء الجيش لحل الأزمات السياسية.. تعالوا نتفق مع اصحاب هذا القول، فاذا كان استدعاء الجيش جريمة في حق الديمقراطية، فماذا عن استدعاء الدين والعشائرية والطائفية والانتهازية.. أليست هذه اشد خطرا وفتكا بالبلاد من العسكر.. لماذا هتفنا للجيش المصري حين اسقط مبارك، ونشتمه الآن لأنه قال لمرسي: كفى لدولة التخلف والدجل.. من ينسى وقفة الجيش التونسي إلى جانب شباب الثورة ورفضه تعليمات بن علي للبطش بالمحتجين.. أليس هذا هو نفس الجيش الذي نشتمه الآن باسم صناديق الانتخابات؟ 
ليس من حق أحد البكاء والعويل على ديمقراطية زائفة وليس من حق أحد الصمت على هلوسة أحزاب الإسلام السياسي.. المصريون منحوا أملا للشعوب التي تم إجهاض حلمها بالمستقبل..لأنهم قالوا لا لكل سياسي لم يبلغ سن الرشد بعد.