في محراب علي عليه السلام

 

علي بن ابي طالب هذا الكيان الانساني الضخم الممتد على مساحات الف ونصف من السنين كلما مرت الايام عليه زادت بريقه وتوهجه والقه وكشفت جوانب مضيئة اخرى فيه لم تكتشف من قبل . فالرجل ينبوع حكمة ومدرسة تواضع وباب علم ورجل سيف وادب وحاكم عدل ومواطن صالح . في العبودية لله اكثر العبيد خوفا من ربه وخشوعا وفي حومة الوغى علا سيفه كل الهامات ولم يعلو هامته الا سيف غدر في محراب عبادة . في التواضع ضرب به المثل وفي الزهد هو صاحب مبدأ (ياصفراء ويابيضاءغري غيري ) و ( دنياكم لاتساوي عندي جلب شعيرة في فم نملة ) وفي الحكم كانت حصته اقل من حصة قنبر خادمه يوم اعطاه الثوب الجديد واخذ (السمل ) ولما سأله لما ياسيدي وانت امير المؤمنين فقال ياقنبر انا شيخ فاني وانت شاب بمقتبل العمر وفي العدالة هو الوحيد الذي انتصف للرعية من نفسه وهو على دست الحكم وليس قضية سيفه واليهودي والقاضي شريح خفية على احد وكلنا قرأ كيف زجر القاضي يوم كناه بـ(ابي الحسن ) ونادى الخصم بأسمه وطلب منه المساواة . ومن منا لم تمر عليه قضية النصراني الذي خصص له راتبا من بيت المال بعد عجزه . وفي العبادة والاخلاص لله ولرسوله يكفي ان تقول علي بن ابي طالب وتكفي آية الخاتم التي قال عنها احد الصحابة حاسدا او غابطا (تبرعت بأربعمائة خاتم ولم تنزل في آية وتبرع علي بخاتم واحد فنزلت به آية ) وفي ساحات الوغى وحروب الاسلام ورسول الله كان هو القائد وصاحب الراية ومفتاح النصر في كل حرب خاضها تحت امرة رسول الله لم يضعف ولم يهن ولم يهزم ولم يتردد ولم يخيفه فارس وكانت مقولة ( لافتى الا علي ولاسيف الا ذو الفقار ) لاتصلح لغيره لا ولن ويكفيه قول رسول الله في يوم الاحزاب عندما برز لأبن عبد ود (برز الايمان كله الى الشرك كله ) وفي الصدق والامانة لم حاشاه ان تذكر له كذبة او زلة لسان على مدار ثلاثة وستين عاما بكل اهوالها ولم يذكر التاريخ ان احد غيره بات في فراش النبي واعاد الامانات الى اهلها بعد هجرة الرسول وسط وسط غليان قريش حقدا ورغبة في قتل النبي . لو حسبنا منجز علي ووزعناه على سني عمره لاصبنا بالعجب من قصر هذا العمر وضخامة ذاك المنجز وكيف ازدحمت السنوات بماقدمه ابن ابي طالب للانسانية . لقد ختمت حياة علي بتوفيق وعناية ربانية عجيبة فالرجل قتل بيد رجل خرج على الاسلام والانسانية وتنكر لمن رعاه في يتمه واغدق عليه من حنانه كابنائه وفي شهر رمضان وتحديدا في لياليه العشرة الاخيرة التي يحتمل القدر في آحادها وبسيف بغي وهو صائما قائما في محراب صلاته ولم تجمع او ترتب هذه الخاتمة حتى لنبي او رسول وكان قوله عند الضربة مصداقا لها (فزت ورب الكعبة ) لقد فاز علي ورب الكعبة قبل محبوه او رفض شانئوه فوزا ابلجا كالفجر الذي قتل فيه . ومنذ مئات السنين يقف اصحاب الضمائر اجلالا لعلي ومواقفه ويوم شهادته ويشيرون له بالبنان وعلى مر السنين كثر من نسب نفسه الى علي او ادعى السير على نهج علي خصوصا ممن يتولون الحكم . لكن هيهات . هيهات هو علي واحد لن تجود الايام والازمنة بمثله وتفرد بها الى يوم تلاقي الخلائق ربها . فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .