تعايش وشاهد قبر

 

أما التعايش، فإننا نفعل ذلك مع أنباء السيارات المفخخة. نتعايش كما لو لم نفعل من قبل، حتى حين طُلِب منا التعايش بين الطوائف والملل والاديان.

نتعايش مع طقوس الموت.

ترى ما هي طقوس الموت؟

تتحسس جسدك، تطمئن، انك اليوم لست على لائحة المفخخات. وان أمامك نحو 24 ساعة إضافية تحظى فيها بالحياة، ولو خائفاً.

الفرص في العراق ليست أكثر من يوم واحد، كل شيء يتغير بين سيطرةٍ ومفخخة، بين أمن مستقر، وانهيار مريع للاستقرار.

تمسك هاتفك المحمول. تتصل، تقع في حيرة بمن تبدأ اولاً. تنتظر الجرس، وتفكر في أن القائل بإغلاق الهاتف المحمول، لوجود صاحبه في منطقة خارج التغطية، سيكون كمن يجلب خبر الشهيد من الجبهة.

أو انك لا تملك الشجاعة، فتنتظر ان يتصل بك أحد يخبرك بحصيلة الموتى.

في حال سَلمت، ودائرتك المقربة، تأخذ حماماً بارداً، وتتناول الفطور، وحين تحضر محطة فضائية سيكون البث المباشر قد وصل إلى خراطيم المياه وهي تغسل الشارع من الدماء.

نتعايش، ولهذا لا يستقيل المسؤولون عن الأمن، ولا يطردون.

طيب.. ثمة مئات الجرحى، وعشرات القتلى. وهذا خبر كتب في صفحات جرائدنا، ومنابرنا الإعلامية مئات المرات. صار متوقعاً كيف نكتب صحافة الأمن.

وكالعادة يعود السؤال إلى الواجهة: ما الحل لكل هذا الخراب؟

تبديل القيادة الامنية، واختيار كفاءات تقود الساحة إلى بر الامان.. بر لا مفخخات فيه ولا عبوات.

من يقوم بذلك؟ المالكي يريدهم فهم موالوه، والنجيفي لا يريدهم لأنه يحضر مواليه في محلهم.

هناك حل أخر. تقدم الحكومة استقالتها، ونصير إلى تشكيلة انقاذ وطني.

متى يحدث هذا؟ في الأحلام مثلاً؟ من هي القوة السياسية التي تدفع كل هؤلاء الفاسدين إلى ترك اللعبة، وإخلاء الساحة لمرحلة انتقالية جديدة؟ ثم من يقود الانقاذ الوطني. نيلسون مانديلا مثلاً؟.

أو، كما يقول البعض، يخرج المالكي من السلطة. ثم كل شيء ينتهي. كل الأزمات تنتهي، في رمشة تداول سلمي للسلطة.

اتفق مع هذا الرأي، فأبو إسراء تحول إلى مركز لصناعة الأزمات، كما أنه غير مؤهل لأن يكون رأس حكم رشيد في البلاد.

أتفق جداً، لكن لا تخبرني أن لديك بديلا، في هذه العملية السياسية، لن يفعل ذلك. انت لست شجاعاً كفاية لتقول: المالكي، وشركاء هذا الخراب الكبير، لا يصلحون جميعهم لقيادة أصغر بلدية فيك يا عراق.

في هذه الليلة كل خياراتكم تافهة.. في هذه الليلة خيارات الناس نواح، ومبيت على شواهد القبور.