الإمام علي، الأستنجاد بالذاكرة ..! |
استحضار مواقف وأقوال الإمام علي (ع) بهذا الزخم من الإنتشار والتداول ، لايعطي له إضافة بقدر مايقترح جملة ظواهر تكرس بؤسنا الراهن . الظاهرة الأولى تتمثل في عدم قدرة هذا الرهط من الجمهور الملتصق بالماضي ،على مغادرة القرن الهجري الأول من خلال استعارة دلالاته واحداثه ، بمعنى آخر أنه يعلن عزلته مع 1350سنة من تاريخ تطور البشرية ،وقوانين التحديث والتقدم في سياقات الفكر والفلسفة والعلوم والثقافات المتنوعة وغيرها من عناصر إثراء المجتمع . الظاهرة الثانية تأتي بحسب توصيف قانون العقوبات بكونها انتحال صفة لأُناس أبعد مايكونوا عن تمثيل أنساق شخصية الأمام في التقوى والشجاعة والزهد وسلطة الحق، وهو ماينطبق على الحاكم الفاسد والمسؤول السياسي الدجال ورجل الدين المزيف ، وكل مدعي بالتشيع لعلي زورا وبهتانا . الظاهرة التي تستدعي العوام للتغزل والتمني بسلوك ومعطيات شخصية الإمام هو فقدان العدالة الإجتماعية ،وفائض الظلم وتنامي الإحساس بالضعف ، وحلم الخلاص الذي لازم العراقيين عهود طويلة . تراجع القدرة على انتاج رموز معاصرة يدفع لإستعارة شخصية تقيم في التراث والذاكرة ، واذ جردنا المعادلة من هوى الطائفية السياسية البغضاءالمستفحلة على نطاق المجتمع العربي ، فأن وجود قوانين مجتمعية تغني رغبات الفرد ، كما هي الحال في الدول الأسكندنافية مثلا ، سوف يقلب المزاج النفسي للعوام وينزل به للحاضر وليس الأرتهان للماضي . الذات المقهورة ، المسحوقة تسافر مع رمزيات تأريخية في سياحة تمثل "نستولجيا "دائمة ، بمعنى شعور الحنين للماضي هروبا من جحود الحاضر وشحوبه . المجتمعات تحتفل وتتغنى برموزها التأريخية في ميادين الفكر والدين والعلم والحضارة ، لكنها لاتضع المناسبة فوق الحاضر الأكثر رمزية و بهاءا وتطورا ، بخلاف مايحدث عندنا بدوافع خلو الأفق من منجزات تعطي فضاءا للتفاخر والإعتزاز ، ومن هنا تحضر شخصية الإمام بصورة المنقذ المنتظر، والرسالي المتخيل في اشتهاء الذات لتحريرها من مركبات النقص وشعورها الخفي بالدونية . دراسات متعمقة وضعها مفكرون وكتاب عرب كبار، أهمها كتاب "الإمام علي" للعلّامة ابراهيم عبد الفتاح المقصود ، و"علي صوت العدالة الأنسانية" لمؤلفه اللبناني جورج جرداق ، و"علي سلطة الحق " للمفكر العراقي عزيز السيد جاسم ، كتب تنوعت عبر سياحات تاريخية واخرى تحليلية مقارنة ، وثالثة جمالية بطابع روحي . الكتب أعلاه انطوت على جهود كبيرة واستثنائية في اعادة قراءة الماضي ، والمفارقةهنا ان المؤلفين العرب وضعوها إبان أخطر مراحل وأزمنة البشرية ، القرن العشرين الذي شهد ولادة فلسفات عديدة وحركات فكرية متضادة ،وصراعات كونية ، ومنهجيات جديدة مثل البنيوية والتفكيكية والحداثة ومابعد الحداثة ، التي شيعت ماسبقها من نظريات واستحدثت قراءات مغايرة أحدثت ثورة كبرى في عالم الوجود، لكن الكاتب العربي ظل يستنجد بالذاكرة لأستحضار رمز الماضي لملأ فراغ الحاضر ، ومحاولة استرجاع المعاني المفقودة وتأصيلهاعلى المستويات الأخلاقية والفكرية والسياسية والأسلامية وتلك احدى مساحات الأختلاف والتخلف ، او العزل والقطيعة الحضارية بين الفكرالعالمي والفكرالعربي ، ومنتجات كل منهما ..!؟ تساوقا مع ذكرى استشهاد الإمام العظيم علي بن أبي طالب ، ما أحوجنا لبشر يصغون لنداء ثورته على الظلم والفساد للطغاة الجدد وهذا الإستهتار بحياة الناس وكرامتهم وحقوقهم . |