مَنْ قتل َعليا (ع) ؟!

 

 

 

 

 

 

أبو الحسن علي بن أبي طالب (ع) الهاشمي القرشي :
مولده : في الكعبة المشرفة بمكة المكرمة (13 رجب 17 ق. هـ / 21آذار 599 م) حيث داهم المخاض أمَّهُ السيدة الهاشمية ( فاطمة بنت أسد الهاشمية ) قرب الكعبة فانشق جدارها وولدته كالقمر الدريّ في أطهر بقعة على الأرض .
استشهاده  :  ليلة 21 رمضان 40 هـ 28 ( وهي من ليالي القدر المعظمة) .. المصادف في شباط 661 م 
وهو ابن عم وصهر خاتم الأنبياء المصطفى محمد بن عبد الله نبي الإسلام (ص) .. من آل بيته .. من أول الصحابة المصدقين دعوة الإسلام .. هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعد هجرة الرسول (ص) بثلاثة أيام ، بعدما أن نام بفراشه (ص) ليلة الهجرة فادياً رسول الله (ص) بنفسه الكريمة .. آخاه رسول الله (ص) مع نفسه حين آخى بين المسلمين .. في السنة الثانية من الهجرة زوّجه ابنته فاطمة الزهراء (ع) ـ أم َّ الحسنين (ع) ـ بايعه على ولاية أمر المسلمين يوم الغدير بعد حجة الوداع ، فهو بهذا أول أئمة المسلمين الشيعة المولــّى بأمر الله ورسوله .. رابع الخلفاء بعد وفاة النبي محمد (ص) بشورى الأمّة ومبايعتها كافة .
شارك الإمام (ع) في كل غزوات الرسول (ص) ـ عدا غزوة تبوك ـ حيث خلفه فيها النبي (ص) على المدينة المنورة . وقد عرف الإمام علي (ع) بشدته وبراعته في القتال ، فكان لسيفه ذي الفقار الفعل الحاسم في نصر المسلمين بمختلف المعارك ، وأبرزها غزوة الخندق ومعركة خيبر ، كما كان (ع) موضع ثقة الرسول (ص) فكان كاتباً للوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه .
تعد مكانة علي بن أبي طالب (ع) وعلاقته بأصحاب الرسول (ص) موضع خلاف تاريخي وعقائدي بين الفرق الإسلامية المختلفة، فيرى بعضهم أنَّ الله تعالى قد اختاره وصيّاً وإماماً وخليفةً للمسلمين، وأنّ محمداً (ص) قد أعلن ذلك في بخطبة الغدير، لذا اعتبروا أنّ اختيار أبي بكر (رض) لخلافة المسلمين كان مخالفاً لتعاليم النبي محمد (ص) ، كما يرون أنّ علاقة بعض الصحابة به كانت متوترة. وعلى العكس من ذلك ينكر بعضهم حدوث مثل هذا التنصيب، ويرون أنّ علاقة أصحاب الرسول (ص) به كانت جيدة ومستقرّة. ويُعدّ اختلاف الاعتقاد حول علي (ع) هو السبب الأصلي للنزاع بين السنة والشيعة على مدى العصور، لما يتبع هذا التسليم بالأمر لعلي بعد رسول الله (ص) من أثر يتوالى إلى أولاده من بعده (ع) ليكونوا اثني عشر إماماً يحكمون الأمّة الإسلامية بعد الرسول (ص) .. وفي هذا اختلاف على تفسير الروايات التي رويت عنه (ص) بأنّ الأمّة يحكمها هذا العدد من الخلفاء حتى قيام الساعة . 
بويع علي (ع) سنة 35 هـ 656 م بالمدينة المنورة ، وحكم الأمة الإسلامية خمس سنوات وثلاثة أشهر، وصفت فترة حكمه بعدم الاستقرار السياسي ، لكنها تميزت بتقدم حضاري واضح بالكوفة عاصمة الخلافة الإسلامية الجديدة. 
وقعت فتن كثيرة ومعارك امتداداً لفتنة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان(رض) ، مما أدى إلى تشتت المسلمين وانقسامهم بين شيعة لعلي وشيعة لعثمان .. شيعة علي (ع) أصبحوا فيما بعد بالشيعة الإمامية أو الإسلام العلوي،وهم المؤكدين على حقّ علي (ع) بالخلافة دون غيره من الخلفاء . وشيعة عثمان أصبحوا فيما بعد بشيعة معاوية أو الإسلام الأموي ، وهم المطالبين بالثأر لمقتل ابن عمومتهم الخليفة عثمان (رض) ، وكان يرأسهم معاوية بن أبي سفيان والي الشام (رأس الفتنة في تاريخ الإسلام) .. فحدثت بينهم معركة صفين.كما تحاملت عائشة بنت أبي بكر زوج الرسول (ص) على علي (ع) وأعلنت الحرب عليه بمعاونة طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام فحدثت معركة الجمل ـ حسداً وحقداً على عليٍّ (ع) ـ كما خرج على علي ٍّ (ع) جماعة من المسلمين عرفوا بالخوارج وحاربهم في معركة النهروان فهزمهم ( ومنهم قاتله عبد الرحمن بن ملجم عليه اللعنة ) . كما ظهرت أيام خلافته (ع) جماعة النواصب الذين كانوا ينصبون له العداوة والكره والبغضاء . لأنه آثر أن يربّي مسلمي الأمّة الإسلامية بأخلاق الإسلام ،وهم جميعاً لمّا تزل في نفوسهم رواسب الجاهلية الأولى ، وأطماعها الدنيوية الدنيئة .
اشتهر علي (ع)عند المسلمين بالفصاحة والحكمة، فينسب له الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة ، وكتاب (نهج البلاغة) الذي جمعه أحد أحفاده (ع) الشريف الرضي (رض) خير شاهد على ذلك . 
كما يُعدّ علي ٌّ (ع) رمزاً للشجاعة والقوّة ، ويتّصف بالعدل والزُهد .. حسب الروايات الواردة في كتب الحديث والتاريخ. كما يُعتبر من أكبر علماء الدين في عصره علماً وفقهاً ، إنْ لم يكن أكبرهم على الإطلاق كما يعتقد الشيعة وبعض السنة والصوفيّة. ويعرّف القاموس المحيط معنى كلمة ( إمام ) بأنه أقضى الناس وأفقههم وأعدلهم وأتقاهم ، عليه؛ فلم نجد في أدبيات الإسلام أنْ أطلقت صفة إمام على أيّ من الخلفاء الراشدين سوى الإمام علي (ع) .
واليوم ؛ وبعد أكثر من 1400 عاماً ...
يقول عنه (ع) الأمين العام السابق للأمم المتحدة ( كوفي عنان) : 
(( إنَّ قول علي بن أبي طالب : يا مالك إنَّ الناس إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق .. هذه العبارة يجب أن تعلـّق على كل المنظمات ، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية )) .
وقال عنه (ع) الشاعر الأديب جبران خليل جبران: إنَّ علي بن أبي طالب كلام الله الناطق، وقلب الله الواعي، نسبته إلى من عداه من الأصحاب شبه المعقول إلى المحسوس، وذاته من شدة الاقتراب ممسوس في ذات الله.
إذ كان الخوارج بالأمس يجهلونه ؛ فيقولون بكفر علي بن أبي طالب (ع) حين قبل بوثيقة التحكيم التي عرضها عليه معاوية بن أبي سفيان، وخلع نفسه من إمارة المؤمنين وساوى نفسه بمعاوية وهو والي من ولاة الدولة، ويعتقدون أن الحَكـَمين حكما برأيهما ولم يحكما بحكم الله الذي يقضي بتأييد حق علي في الخلافة ، ووفقا لعقيدتهم فإن كل من يرتكب إثما فهو كافر ، وقد قتله الخارجي عبد الرحمن بن ملجم ، لكن الحقيقة غير ذلك .. فهي حجة واهية بلهاء ، وإنَّ الذي قتل علي (ع) هو عدله ومساواته وأخذه حقَّ المظلوم من الظالم ، وجعل الحاكمية لرب العباد وليس للعباد ، وإحقاق الحق بإزهاق الباطل ، فهو القائل (ع) : ما أبقى لي الحقُّ من صاحب !
تذكر العديد من كتب الحديث النبوي وكتب التاريخ أن النبي محمد (ص) قد تنبأ بمقتل علي (ع) ، وتعددت رواياتهم حول ذلك ومنها: يا علي أبكي لما يُسْتَحَلُّ منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تريد أن تُصلِّي وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة صالح، يضربك ضربة على رأسك فيخضب بها لحيتك .
كان علي (ع) يؤم المسلمين بمسجد الكوفة المعظم في صلاة الفجر يوم 19 رمضان 40 هـ ، وأثناء سجود الركعة الأولى هوى عليه الخارجي عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم على هامته الشريفة ، فصرخ علي(ع) : فزت وربِّ الكعبة .. صرخة اهتزت لها أعنان السماوات والأرضين . فنقله المسلمون إلى بيته وبقي ثلاثة أيام حتى سرى السم في جسده الشريف وفارق الحياة ليلة 21 رمضان 40 هـ ( وهي من ليال القدر) عن عمر ناهز 64 عاماً .
ويروى أن علياً (ع) قال في قاتله : أبصروا ضاربي .. أطعموه من طعامي .. اسقوه من شرابي .. النفس بالنفس ، إنْ  هلكت فاقتلوه ، وإن بقيت أرى رأيي فيه . وقد نهى (ع) عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه .
وبعد وفاته عليه السلام تولى أمر غسله وتكفينه ودفنه ولداه الحسنان وابن أخيه عبد الله بن جعفر زوج ابنته زينب (ع) .
وعبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج كان قد نقع سيفه بسم زعاف لتلك المهمة. ويُروى أن ابن ملجم كان اتفق مع اثنين من الخوارج على قتل كل من معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب يوم 1 رمضان، فنجح بن ملجم في قتل علي وفشل الآخران.
وعبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج .. كان قد نقع سيفه بسم زعاف لتلك المهمة . ويروى أن عبد الرحمن بن ملجم كان قد اتفق مع أثنين من الخوارج على قتل معاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص وعلي بن أبي طالب يوم 17 رمضان عام 40هـ ، فنجح في قتل علي (ع) وفشل الاثنان الآخران .. وهي رواية فيها شك !!!
بعد أن تم أمر التحكيم اشتد أمر الخوارج، وأرسلوا رجلين منهم فقالا له: يا علي لا حكم إلا لله.
فقال: نعم، لا حكم إلا لله.
وقد قال علي بن أبي طالب (ع) قبل ذلك: إن هذه كلمة حق أُريد بها باطل، فالخوارج يؤولونها على غير ما يراد بها.
فقال له هذان الرجلان من الخوارج: تب من خطيئتك، واذهب بنا إليهم نقاتلهم حتى نلقى ربنا.
فقال علي بن أبي طالب (ع) : قد كتبنا بيننا وبين القوم عهودًا، وقد قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ .
فقال أحدهما: أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله، لأقاتلنك، أطلب بذلك رحمة الله ورضوانه.
فقال علي (ع): تبًا لك، ما أشقاك، كأني بك قتيلاً تسفي عليك الريح.
فقال الرجل: وددت أن قد كان ذلك.
فقال علي (ع) : إنك لو كنت محقًا كان في الموت تعزية لك عن الدنيا، ولكن الشيطان استهواكم.
فخرجا من عنده يحرّضان الناس تحريضًا على الخروج على علي بن أبي طالب (ع)، وأعلنوا صراحة تكفيرهم لعلي بن أبي طالب (ع)، وتكفيرهم لمعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري ، وكفّروا كل من رضي بالتحكيم.
ومن كفر وجب قتله، لأنه أصبح مرتدًا، وبهذا استباحوا دماء من رضي بالتحكيم، واجتمعوا في بيت عبد الله بن وهب الراسبي، وهو أحد زعمائهم، فخطبهم خطبة بليغة زهّدهم في الدنيا، ورغبهم في الآخرة والجنة، وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قال لهم: فاخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى جانب هذا السواد.
الخوارج ويوم النهروان
اجتمعوا هؤلاء جميعًا في مكان يُسمّى النهروان، وبدءوا يدعون من على شاكلتهم من الطوائف الأخرى، وقالوا: يجب أن نخرج منكرين لهذا التحكيم.
ثم قام زعيم آخر من زعمائهم وقال: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا يدعونكم زينتها أو بهجتها إلى المقام بها، ولا تلتفت بكم عن طلب الحق، وإنكار الظلم، إن الله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون.
وقام لهم زيد بن حصن الطائي، وتلا عليهم آيات كثيرة من القرآن الكريم منها: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ.
وهو يقصد بهذا علي بن أبي طالب (ع)، وقال أيضًا: قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ . وكفّر عليًّا ومن معه، ومعاوية ومن معه، وأخذوا يتلون الآيات حسبما يروق لهم .
ثم قام آخر فحثّهم على الجهاد في سبيل الله، فبكى منهم رجل يُقال أنه عبد الله بن سخبرة السلمي تأثرًا بهذه الكلمات، وحثّ الناس على الخروج لقتل هؤلاء الكفار، وقال: اخرجوا، اضربوا في وجوههم، وجباههم بالسيوف، حتى يُطاع الرحمن الرحيم، فإن أنتم ظفرتم، وأُطيع الله كما أردتم، أنابكم ثواب المطيعين له العاملين بأمره، وإن قُتلتم فأي شيءٍ أفضل من المصير إلى رضوان الله وجنته.
وبدأوا يحمّسون أنفسهم، والناس على الخروج على المسلمين الذين هم في نظرهم كفارًا.
ويعلّق ابن كثير على مواقفهم هذه فيقول: إن هؤلاء الخوارج من أغرب بني آدم، فسبحان مَنْ نَوّع خَلْقَهُ كما أراد.
وقال فيهم الكثير من العلماء إنهم ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنًا.
فجمّعوا قواهم، وقرروا الخروج إلى المدائن في شمال شرق الكوفة، لكنهم غيّروا وجهتهم لقوة المدائن ومنعتها واتجهوا إلى مكان آخر قريب من الكوفة، وبدأوا يقطعون الطرق، ويقتلون المسلمين بحجة أن من رضي بالتحكيم فهو كافر مرتد يجب قتله، وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت، وقتلوا زوجته رغم أنها كانت حاملاً .
فلما زاد فحشهم وكثرت جرائمهم قرر علي بن أبي طالب (ع) أن يقاتلهم، فخرج لهم بجيش كبير اختلف الرواة في تقدير عدده، ولكنه على أي حال كان يزيد كثيرًا عن جيش الخوارج.
وقبل أن يدخل معهم في قتال أراد (ع) أن يجنّب المسلمين شر القتال بعد ما حدث في موقعتي الجمل وصفين، وقُتلت الأعداد الكبيرة من المسلمين، فبعث إليهم من يقول لهم: عودوا إلى طاعة أميركم، يحكم بينكم فيقتل مَنْ قتل أحدًا من المسلمين، ويعفو عن من لم يقتل، فاجتمعوا وقالوا: كلنا قتل إخوانكم، وقد استحللنا دمائهم ودمائكم.
خرج إليهم علي بن أبي طالب (ع) بنفسه، وبدأ في وعظهم، فقال لهم: ارجعوا إلى ما خرجتم منه، ولا ترتكبوا محارم الله، فإنكم قد سولّت لكم أنفسكم أمرًا تقتلون عليه المسلمين، والله لو قتلتم عليه دجاجة لكان عظيمًا عند الله سبحانه وتعالى، فكيف بدماء المسلمين؟
فلم يكن لهم جواب إلا أن تنادوا بينهم: لا تخاطبوهم، ولا تكلموهم، وتهيأوا للقاء الرّب عز وجل، الرواح الرواح إلى الجنة، وكان هذا شعارهم.
رتّب علي بن أبي طالب (ع) جيشه، وجعلت راية أمان مع الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري (رض)، وقال: من ذهب إلى هذه الراية فهو آمن. أملاً في تقليل عدد من يُقتل.
يذكر أن عدد الخوارج في بداية التمرد على إمام زمانهم علي (ع) كان اثنا عشر ألفًا، ولما حاورهم عبد الله بن العباس (رض) تاب منهم أربعة آلاف، ورجعوا معه إلى علي (ع)، وبعد المحاورات والمناقشات الأخيرة رجع أربعة آلاف آخرون، وبقي أربعة آلاف على رأيهم.
والتقى الجيشان فكانوا على أهبة الاستعداد للقتال، فعاد علي بن أبي طالب (ع) عنه من جديد وقال لهم: هذه راية أمان مع أبي أيوب الأنصاري، من توجه إليها فهو آمن، ومن عاد إلى الكوفة فهو آمن، ومن ذهب إلى المدائن فهو آمن.
فبدأ البعض منهم بالانسحاب إما مكرًا وخديعة؛ ليخرج بعد ذلك، وإما خوفًا، فمنهم من توجه إلى راية الأمان مع أبي أيوب الأنصاري (رض)، ومنهم من توجه إلى الكوفة أو المدائن، وتركهم علي بن أبي طالب(ع) كما وعدهم، وبقي منهم ألف صامدون لقتال علي بن أبي طالب(ع) وجيشه -الذي قيل في روايات كثيرة إن قوامه كان ما بين الستين والثمانية وستين ألفًا- فقرر علي بن أبي طالب (ع) قتلهم.
ويذكر في هذا الشأن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم      قد تنبأ بظهور هذه الطائفة العجيبة، فقد روى مسلم عن زَيْد بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ (ع) الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ (ع): أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلا صَلاتُكُمْ إِلَى صَلاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلاً لَهُ عَضُدٌ، وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيض".
وفي البخاري ومسلم قَالَ عَلِيٌّ (ع): إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَوَاللَّهِ لأنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خِدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأحْلامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
والخوارج هم جهّال المسلمين الذين خرجوا وسيخرجون على ولاية أمير المؤمنين علي (ع) ، وهم الذين خرجوا على ولده الحسن (ع) فقتلوه ، وهم الذين خرجوا على ولده الحسين (ع) فقتلوه ... إلى يوم القيامة .