منتشياً وقف رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي ليعلن أن الحرب على الإرهاب في العراق قد انتهت.. وباستخفاف قال إن ما تبقى من الارهاب لا يتجاوز "بضع خلايا هنا وهناك"! كان ذلك منذ سنة، بل أقل من سنة، وبالضبط يوم الاثنين السادس من آب (اغسطس) من العام الماضي. كان السيد المالكي يخاطب الضباط والعناصر الذين أفشلوا قبل ذلك بأيام محاولة إرهابية لاقتحام سجن التاجي. وبالنص قال المالكي يومئذ إن "المعركة مع الإرهاب قد انتهت، وإن المتبقي هو خلايا تبحث هنا وهناك عن فرصة أو ثغرة"، وأضاف أن هذه الخلايا "تقف خلفها ارادات من دول أخرى تستغل الظرف الحاصل في المنطقة، لكن ذلك لن يحصل في العراق مع استمرار الضربات لحين القضاء عليهم من خلال تفعيل الجهد الاستخباري والتعاون مع المواطنين". وفكرة هزيمة الارهاب واندحار الارهابيين وتراجع قدراتهم ظلت تتكرر في الكثير من تصريحات السيد المالكي وكلماته داخل البلاد وخارجها منذ العام 2008. وعلى الدوام كنا، مثل كثيرين غيرنا، نحذر من هذه النظرة غير الواقعية للامور ومن عواقب الثقة الزائفة بالنفس، فالأوضاع على أرض الواقع كانت تمضي في اتجاه معاكس لما يتحدث عنه القائد العام للقوات المسلحة ومساعدوه. من غير الممكن هزيمة الإرهاب في ظل عملية سياسية توفر بيئة مناسبة وحاضنة ملائمة للارهاب، ومن المستحيل دحر الإرهابيين وتحطيم قدراتهم باجهزة أمنية وحكومية فاسدة ومخترقة من الارهابيين. الآن تعترف وزارة الداخلية بان الأمور في واقعها هي كما نراها نحن وليست كما يراها رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة... هذا الاعتراف المتأـخر أعلنته الوزارة في بيانها الصادر أمس الأول، غداة أحدث هجمة إرهابية واسعة النطاق. البيان قال: ((أولاً: إن البلاد أصبحت في مواجهة حرب معلنة تشنها قوى طائفية دموية تستهدف إغراق البلاد في الفوضى وإعادة إنتاج الحرب الأهلية..."؛ (( ثانياً: .... أن ضخامة وسعة الاعتداءات الإرهابية تكشف عن اختراق كبير لجماعات الإرهاب للنسيج الاجتماعي ووجود حواضن بشرية ودعم تتلقاه هذه العصابات على خلفيات طائفية وسياسية...)). ويخلص البيان الى ان هذا ((يستدعي تضامناً كاملاً بين الأجهزة الأمنية والحكومية والمؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية لمواجهة هذه الحرب الشعواء التي تأخذ طابع الإبادة الجماعية.)) و(( تعبئة شاملة لجهود المواطنين مع الأجهزة الأمنية، فبدون تعاون بناء ومثمر لا يمكن الحد من الاعتداءات الإرهابية بالاقتصار على جهود الأجهزة الأمنية وحدها، كون الأمن بالمفهوم المعاصر هو حصيلة تضامن وطني فعّال ومشاركة بين المجتمع والأجهزة الحكومية المعنية)). هذا هو الكلام السليم والمفيد.. ولكن كيف يتحقق التضامن الوطني الفعال بين الشعب والأجهزة الأمنية ؟ بوجود نظام الطائفية السياسية لن يكون .. ولن يكون مع بقاء المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية والعشائرية .. ولا يمكن أن يكون أيضاً مع تفشي الفساد المالي والاداري وتفاقم التلاعب بالمال العام، ولا مع الفقر والبطالة وسوء الخدمات العامة والشعور العام العارم بالظلم والحيف والتمييز والتهميش، ولا مع نزعة الاحتكار والاستبداد الموجودة في قلب الحكومة وقيادة القوات المسلحة .. لابدّ من علاج هذا كله أولاً، لكن لا الحكومة القائمة قادرة على هذا، ولا النخبة السياسية المتنفذة أيضاً.
|