عقيدة الموز والثلاجة

 

على الزوج ان يغلق باب ثلاجة البيت بالقفل ويحتفظ بالمفتاح لديه , خاصة في حال وجود الموز او ماشابه داخل الثلاجة , حتى لايكون هذا مبعثا لشهوة الزوجة اثناء غيابه , كانت هذه احدى الفتاوى التي اطلعت عليها , والصادرة من احد شيوخ التطرف في دولة عربية لا اريد ان اسميها , هذا ليس من باب الطرفة وانما حقيقة , وبوسع اي كان التاكد من صحتها , كما انه ليس من المستغرب على العراقيين مثل هذه الفتاوى , لانه سبق وان طرقت اسماعهم ابان عامي الفين وستة والفين وسبعة فتاوى تحرم اكل (الزلاطة) , واخرى تدعوا الى اكساء عورة الماعز , ذلك من باب الحشمة !! لا اروم من هذا العرض اضحاك القارئ , او الانتقاص من هذه التشريعات - على الرغم من مجافاتها للعقل والمنطق السليمين -لان الانسان حر بتناول الزلاطة من عدمها سواء من منطلق صحي او ديني كما يزعمون , لكن ما ابغيه هو التنبيه من تداعيات هذه الافكار الاصولية التي تعنى بالجزئيات وتعتبر ان الاسلام هو ممارسات سلوكية في الحياة , تتمثل بتقليد ملبس وماكل وتعاملات الاولين , ما يمنح لافرادها الزخم المعنوي ويجعلهم مميزين عن الاخرين , والايحاء لانفسهم على انهم الممثلين الحقيقيين للاسلام , والمطبقين الفعليين لاحكام الشريعة الاسلامية , فضلا عن احتكارهم للحق والصواب والمختلف عنهم مارق ومرتد , وتدعيم كل ذلك بنصوص قرانية بمعزل عن السياق التاريخي لنزول تلك النصوص والايات . وما يزيد من خطورة هذه الافكار التي اضحت عقائد ايمانية هو تبنيها للعمل المسلح الهجومي كأداة لتحقيق اغراض سياسية لاقامة دولة ذات متبنيات دينية , وهذا الغرض وسع رقعتها وكان مدعاة لتدخلات جهات اقليمية ودولية سواء بالتحالف معها او امدادها بالامكانيات اللازمة لتنفيذ غاياتها , كونها رأت في هذه الجماعات وسيلة لتحقيق مصالحها بشكل مباشر او غير مباشر, دون ان يكلفها شيئا سوى المال . وقد يكون هذا الطرف الاقليمي او الدولي يختلف عقائديا وفكريا مع المتطرفين لكن بمنظور عملي (براغماتي) تلجأ اليهم , بغض الطرف عن الجانب الاخلاقي والقيمي . اما الشباب فانهم الفئة المستهدفة بالنسبة لرجال وشيوخ هذه الطائفة المتطرفة , ويبدأ الاستهداف بالاقناع والتجنيد عبر وسائل شتى , اخذت تتطور يوما تلو الاخر , فلم تعد الاماكن التقليدية كالمساجد والمدارس الدينية هي الاماكن الوحيدة لغسل ادمغة الشباب , بل امسى الانترنت ومواقع التفاعل الاجتماعي من الوسائل الاكثر فاعلية لاستقطاب الفئات الشابة والمراهقين , لاسيما بعد ان طورت هذه التنظيمات قابلياتها التكنولوجية , وهي الان تمتلك مواقع على الانترنت تبث من خلالها افكارها وعملياتها واخبارها ومناهجها , من دون اية رقابة او حظر من قبل السلطات عليها , ما يدفع بالكثيرين وبدافع الفضول الى متابعتها , لكن قد يتطور هذا الفضول الى ما لاتحمد عقباه , خاصة بالنسبة للمتابعين الشباب الذين يتصفون بالخواء الفكري , ويرزحون تحت وطأة البطالة والتهميش والاقصاء , ما يولد لديهم مشاعر العداء تجاه الحكومة والمجتمع , وقد يجدون في هذه التيارات المتنفس الوحيد لتفريغ الشحن المعنوي ,والحصول على الكسب المادي ,واملاء الفراغ الوقتي . وبما ان معظم الحكومات العربية هي حكومات فاسدة وتدير دولها بعقليات فارغة وشخوص مهملة مقصرة , وجل همهم البقاء في السلطة اطول فترة ممكنة , فالتنظيمات الاصولية استطاعت ان تستغل هذه الثغرة للنفاذ الى عقول الشباب واستقطابهم وتغذية التعصب فيهم والفتك بهم اولا وبالمجتمع ثانيا . واذا ما استمر الحال على ما هي عليه , فقادم الايام تنذر بولادة تنظيمات وجماعات واجيال من المتطرفين قد تصدر فتاوى اخر, ما انزل الله بها من سلطان !