هيبة الدولة ـــ أية دولة كانت ـــ تأتي من هيبة حكامها الخدومين و الإصلاحيين و المجددين .. و تحصيل حاصل إن هيبة الحكام العظام من بناة الدولة ، تأتي من حكمتهم في معالجة الأمور و من عدلهم ورصانتهم ، و من عمليات الإصلاح المتجسدة في شتى إنجازاتهم المعمارية و الاقتصادية و الثقافية التي تجلب لهم تقدير ومحبة الشعب و احترام العالم في آن .. فالشعب الواعي و الرصين و المتمدن يقدّر و يثمّن ـــ عادة ــ إنجازات و خدمات حكامه الجيدين و الصالحين و يجزيهم على ذلك ، من خلال إبداء آيات الاحترام و التقدير لهم ، و التمسك بهم و إعادة انتخابهم مرارا و تكرارا بناء على خدماتهم و إنجازاتهم ، و ليس على أساس انتمائهم المذهبي فحسب .. من سوء حظ العراق كبلد ووطن أنه يفتقر الآن إلى كل هذه الأمور مجتمعة .. بل أن الأمور تجري معكوسة رأسا على عقب ، مثلما حاليا في العراق ، حيث بالرفض والاحتقار و الازدراء يُجزى النخبة السياسية المتحكمة و المهيمنة و الفاسدة و الفاشلة بامتياز و تفوق منقطع النظير !!..
و عندما يصل بلد ما إلى هذا المصير المزري والفلتان المخزي و انحدار إلى أسفل الحضيض ، فتنفلت الأمور من عقالها و الفوضى أسارها و الوحشية من أقفاصها .. فتسقط قيم و أخلاق ومعها عدم التقيد بأبسط الأمور المتعلقة بقواعد النظام و القانون و الانضباط و الدقة ، و تكثر محاولات التحايل على القانون و النظام ، بل و الاستسخاف بهما ، فتعم مظاهر الفساد و عواصف الفوضى و أزمنة الجريمة و أكوام القذارة .. فتأخذ القيم و الأخلاق بالسقوط التدريجي رويدا رويدا عند الكثير الكثير ، لتزداد أعداد الشّطار وهواة الغلبة و صيادي الاستباق و اقتناص الفرص السانحة للفوز بالعظمة الدسمة ، كما الحال في العراق راهنا .. و هذا بعينه ما جرى و يجري في العراق بلهاث و سباق و نيل رخيص للمنصب و المال و الجاه وبدون أي جهد و تعب .. فهكذا غابت الدولة و ضاعت هيبتها ، وحلت محلها الفوضى والاستهتار و مخالفة القوانين و خرقها ليلا ونهارا و على كل صعيد و ناحية : فيمكن التفجير و القتل و الخطف دون شعور بحساب أو عقاب ، و يمكن السرقة و الاختلاس بلا ردع أو خوف ووجل ، و كذلك يمكن البناء عشوائيا أينما كان و كيفما كان ، و احتلال الأرصفة و خرق قوانين المرور و قواعد السياقة وبعكس المرور و رمي الزبالة و النفايات هنا و هناك ، و تخريب البيئة بكل شجاعة و بسالة !!.. و مع سقوط أخر ما تبقى من هيبة الدولة ، انزاحت القوانين المدنية جانبا لتحل محلها الأعراف العشائرية و القبلية المتخلفة لحسم الأمور " قضائيا " ابتداء من حوادث القتل و انتهاء بحوادث المرور و مشاجرة أبناء المحلة !!.. أو بسبب دهس دجاجة أو صخلة!!.. لها و كل هذه الأشياء لها سعرها الباهظ و لكن القابل للمساومة و التخفبض أثناء الفصل يقررها " قضاة " من شيوخ عشائر شبه أميين .. فمرحى للعراق صاحب الحضارة العريقة !! ..
|