شكوى الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب

 

شكوى الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب: سيدي هازم الأحزاب أتعس ما نمر به اليوم شعورنا بالغربة داخل بيوتنا وأوطاننا, شعورنا بالخذلان بين أهلنا وذوينا, نحن غرباء في العراق لأن معظمنا لا ينتمي إلى العشائر المستبدة المتجبرة, التي ماانفكت تتمسك بشعار: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) وتتفاخر بهذا الشعار في مجتمع اعتادت فيه الأسماك الكبيرة على ابتلاع الأسماك الصغيرة. نعيش في عزلة تامة لأننا لا ننتمي إلى الأحزاب المتنفذة, التي جثمت على صدورنا وتلاعبت بمصيرنا منذ بدايات القرن الماضي, فأسست في وطننا قواعد هذا البنيان السياسي الفوضوي المصطنع, فشهدنا وقائع مسلسل السنوات الخداعات, التي كان يؤتمن فيها الخائن, ويخوّن الأمين, ويُصدّق فيها الكاذب, ويُكذّب الصادق, حتى افترستنا الغربة حينما ضاعت في وطننا معايير التقييم والترقية, فتسيد الأميون والفاشلون على ذوي الكفاءات وأساتذة الجامعات. . سيدي نصير الضعفاء تجرّعنا مرارة الغربة وآلامها, وشربنا من انهار عذاباتها منذ زمن بعيد, حتى أكلت الغربة ريع أعمارنا ولم تشبع, فطحنّاها بالعمل والأمل ولم تشبع, ثم سقيناها بالصبر والإيمان ولم تشبع, ورثنا عن أجدادنا الأوجاع القديمة كلها, رضعناها حليبا من أثداء الرافدين, صارت عندنا اليوم جيوش من الأرامل, وأبناء لم يسمعوا شيئا عن آبائهم, في العراق أفراحنا عزاء, وليالينا هموم تتكدس فوق بعضها, نخشى أن نضحك حتى في السر, فالضحك عند معظمنا من الممنوعات, وعند بعضنا من المحرمات. يُخيل إلينا أحيانا أننا نعيش في (سيرك) تنكري كبير فقدت فيه القيم, وضاعت فيه المبادئ, وانتهكت فيه المعاني والعبارات, فلم نعد نشعر إلا بالغربة في وطن لا يعطينا سوى الموت والدمار, وطن لا يشبع من آلامنا ومآسينا, ولا يسمع صراخنا وعويلنا, ولا يستجيب لنا, فتعمق شعورنا بالغربة, حتى صارت غربتنا حقيقية, وخذلتنا الحكومات المتعثرة في تجاربها الفاشلة, وأصبح الخذلان رفيقنا, وتعددت مواقف الخذلان لتعتري أنماطا جديدة من حياتنا اليومية البائسة. . سيدي أبا الشهداء لقد كان استشهادك في محراب الحق درسا للأمة تعلمت فيه معنى الثبات على المبادئ الصحيحة, وكانت كلمتك (فزت ورب الكعبة) درسا للسياسيين المختبئين خلف الستائر الفولاذية المصفحة, ودرسا للمتهافتين على اقتناء العجلات المدرعة, والسيارات المظللة. . لقد كنت يا سيدي رائعا في خلقك, كاملا في إيمانك, ثابتا في يقينك, فريدا في خصالك, فمتى يتعلم منك هؤلاء ؟, ومتى ينهلون من علومك ؟؟, فلك مني يا سيدي كل المحبة والولاء, ولك من كل مسلم كل المودة والوفاء, وأتضرع إلى المولى في علاه أن يجمعنا بك في رحمته تحت لواء سيد الأنام في جنة الفردوس عند الملك القدوس.