خربانة كلش!

 

ما إن ضرب ميل الساعة ليعلن عن رأسها، موعد الأنباء، طل مقدم النشرة الإخبارية علينا بوجه مكهفر وبحاجبين مرتفعين وربطة عنق حمراء تشبه العواجل المتراقصة أسفل الشاشة. سلم على المشاهدين المساكين وتلا خبره الأول عن انفجار والثاني عن هروب سجناء والثالث عن تهديد ووعيد من النائب الفلاني الى النائب العلاني حتى تسلسلت أخباره السوداوية بمصاحبة العواجل المأساوية.

أشبعت رأسي وأفكاري بحفنة من الأخبار التي تنذر بنهاية ما ابتدأه وهو (السلام عليكم) فأي سلام سيلوح في الأفق بعد هذا الخراب. ها هي شظايا الأخبار تشقق أذهاننا بين لحظة وأخرى، فلا خبر مفرح ولا حامض حلو لا شربت. هذا طبيعي لأن الأفراح تقف خجولة أمام أحزاننا كونها أقلية والأقلية لا تحكمنا.

حملت هذه الأخبار وخرجت من البيت علّني أتمتع بهواء خال من دخان تلك التي غطت الشاشة. التقيت بصديقي وما زالت الأخبار القاتمة تداعب مخيلتي، حتى قلت له (راح تخرب) نسبة إلى ما هو آت، لكن صديقي طأطأ رأسه وقال (هي خربانة شتخرب بعد) بمعنى هل يوجد أسوأ مما نحن فيه، إذا كان الحاضر اسود فماذا سيكون لون المستقبل، شعرت حينها بالأسى والتذمر من تلك الأوضاع التي فرضت جبراً على كاهلنا، وقد تستشيط غضباً لفعل صبياني يقوم به شخص كبير بالحكومة من خلال إصدار فتوى (بالغلط) أو شحذ الهمم وجمع حزمة (زعاطيط) للسيطرة على شيء ما أو إقرار قانون (صفح) يضر بالكادحين ورواد أرصفة التسكع هروباً من عالم الفقر الذي يعيشونه. فشبح المأساة يلاحقنا في كل الأزمنة والأمكنة، وبئر القنوط الذي دفعونا إليه أصحاب القدح المعلى لا نستطيع الخروج منه بسهولة، بيد ان الصورة الحالية باتت في أعتى قتامتها. فمن أين نبدأ بالكلام عن تفاصيل صورتنا تلك، عشر سنوات مرت هباء، فلا تغيير يذكر سوى السيئ منه، الكهرباء تشبه المعضلة الايرلندية لا يمكن اصلاح (وايراتها) بحكم (الوايرات) التي تنقطع يومياً في رأس هذا المسؤول وذاك. الفقر يتغزل بالتسول والشوارع لا تعرف التعبد، وو الخ. السكن سهل ممتنع، بإمكانك الحصول على ألف متر على نهر دجلة فقط اذا كنت مسؤولاً أما أذا كنت مواطنا فعليك بشراء (كارتونة) والانبطاح على أحد الأرصفة للتمتع بنسيم الهواء الطلق.

 في تلك الدورة البرلمانية اكتفى اغلب المسؤولين بالنوم في الجلسة مع رفع اليد بين الحين والآخر، مع ذلك رحلت القوانين إلى هذه الدورة التي كانت لا لون لها ولا طعم ولا رائحة. كيف لا، ودولة بدون رئيس جمهورية ولا وزير داخلية ولا وزير دفاع، وأغلب وزاراتها ومؤسساتها تدار بالوكالة؟!

ما حدث في العراق لم يحدث في الصومال، إنها مهزلة بكل المقاييس، ففي الفترة الذي ينتظر المواطن عقد جلسة البرلمان لإقرار قانون يهم حياته، تبدأ المسرحية بالقذف والسب والشتم و(الكلات) ليخرجوا على انفجار هنا وعبوة هناك، حتى نصل الى هروب عدد من السجناء في دقائق معدودة، مع العلم ان القوات الأمنية استغرقت وقتا طويلا في ملاحقتهم واعتقالهم في أوقات سابقة. لذا فالشعور بالخراب هو ليس محض يأس وفقدان الأمل بقدر ما هو واقع نعيشه.

إذن لابد من وخزة ضمير يبادر إليها الشعب بمعية القلة القليلة من البرلمانيين الصالحين إن وجدوا من أجل شطب كلمة (الخراب) من قاموس مجتمعنا المسكين الذي ذاق ما ذاق على توالي العصور.